الرئيسية أخبار عالمية دروس سياسية من اليابان

دروس سياسية من اليابان

images.jpg
كتبه كتب في 13 يناير، 2019 - 2:37 مساءً

اميمة بونخلة / صوت العدالة

لطالما شكلت اليابان بالنسبة للباحثين و المعجبين مصدرا لاستقاء الدروس و العبر من مختلف المحطات التاريخية التي مرت منها امبراطورية الجزر , خصوصا في فترة حكم الامبراطور الميجي, الذي عرفت اليابان منذ توليه زمام السلطة انتقالا نوعيا , حيث ارتقى باليابان من حضيض الصراعات والحروب, الى قمة التحضر و الرقي.
كانت اليابان في الماضي معتركا للحروب و الصراعات بين الطوائف اليابانية، التي كانت كل منها تسعى لهزيمة الآخر و السطو على اراضيه و ممتلكاته، وبعد جلوس الامبراطور التوكوجاوا على عرش الامبراطورية انتقلت من حروب دموية بين العشائر لفرض الوجود و الهيمنة، الى صراع من أجل السلطة والجلوس على عرش الدولة ،وقد سجل التاريخ حوادث عديدة من هذا قبيل راح ضحيتها المئات من اليابانيين، في ذات الفترة كانت الدول العربية معظمها افضل حالا من امبراطورية الجزر،التي كان شعبها مجرد شعب همجي متوحش.
لكن بالرغم من ضبابية مستقبل اليابان حينها ،الا انه تجلت مؤشرات اقلاع حضاري و أسست أرضية نهضة تاريخية،جنيت ثمارها في عهد الامبراطور الميجي
تميزت فترة حكم التوكوجاوا باهتمامه بالتعليم،وان كان يعاب عليه انه تعليم نخبوي فئوي يجعل من ابناء الساموراي و كبار الدولة محور اهتمامه دونا عن باقي افراد الشعب،كما اهتم بالانتاج الداخلي الخام و باغناء الثقافة اليابانية من خلال مركزية التقاليد و الاعراف و أهميتها لدى اليابانيين،مما جعل من شعب الامبراطورية شعبا متمسكا بجذوره وهويته اليابانية المتميزة التي تبعث فيه الأنفة و الفخر،دون الاصطدام بالثقافات الاجنبية او الذوبان فيها،وهي نتائج طبيعية ترتبت عن نهج سياسة العزلة التي دامت لفترة طويلة بلغت زهاء 200 سنة.
بعد انتهاء فترة حكم اسرة تاكاجاوا و مجيء الامبراطور الميجي ،شهدت اليابان نهضة غير مسبوقة و اقلاعا حضاريا مبهرا،بفضل حنكة الامبراطور الميجي و سياسته الحكيمة،اذ تميزت فترة حكمه ب:
ـ أحقية تولي المنصب للأكثر كفاءة لا باعتبار القرابة،بعكس فترة حكم من قبله التي كان يحصل على المنصب فيها أولوا القرابة.
ـ تعميم التعليم باعتباره حقا شرعيا لكل طفل ياباني دون النظر في انتمائه الطبقي او نوعه،مما نتج عنه انخفاض معدل الجهل ،حتى صار منعدما.
ـ ارسال البعثات التعليمية الى الخارج لتعلم المهارات و المعارف الغربية و منح افراد البعثة بعد عودتهم مناصب عليا يمكنهم من خلالها توظيف ما تعلموه من الغرب في خدمة مشروعهم التنموي.
ـ النظر للغرب باعتباره مرجعا معرفيا و تقنيا فقط ،نستفيد منه ولا نذوب فيه،اي هدم فكرة المركزية الغربية..
ـ الاهتمام بالصناعة اليابانية و الانتاج الداخلي ،مما جعل من اليابان قادرة على توفير حاجياتها دون الحاجة للاستيراد الا في بعض الحالات الضرورية التي لا يكفي اليابان ما تنتجه داخليا لتغطية حاجياتها خصوصا الغذائية منها.
ـ التركيز على ضرورة ترسيخ منظومة القيم،وزرع فكرة حب الجماعة واحساس الفرد انه جزء من جماعة نجاحه من نجاحها و فشله من فشلها، في انفس العامة و الناشئة خصوصا من خلال عمليتي التربية و التعليم.
الخطة الاصلاحية التي رسمتها سياسة الميجي و من اختارهم جنبه من أولي الكفاءة و الموهبة انعكست ايجابا على مسار أمته،ولا زالت اليابان لليوم تجني ثمراتها،ويمكننا ان نلخص السياسة الميجية حينها:
بكونها سياسة حكيمة جعلت من التعليم محور اهتمامها،وتعاملت مع الغرب باعتباره وجهة علمية تتعلم منه ،لكن لا يسيطر عليها و لا ترضخ لهيمنته.
مرت اليابان في الماضي بأحداث شبيهة لما تعرضت له بعض بلدان العالم العربي،فكما حاول الغرب تركيع البلدان العربية من خلال سياساته الاستعمارية،حاول فعل نفس الشيء مع اليابان ،وظلت تقاوم حتى انتهى الأمر بكارثتي هيروشيما و نكزاكي،وحتى بعض المحاولات الاصلاحية اليابانية كان لها مثيل في البلدان العربية، ففي الفترة نفسها التي ارسلت اليابان بعثة تعليمية الى الخارج،ارسلت كذلك كل من مصر و المغرب بعثاتهم،لكن لماذا نجحت سياسة الغرب الاستعمارية في اخضاع البلدان العربية و لم تنجح في اليابان؟ ولماذا عادت سياسة اليابان المتمثلة في ارسال طلابها الى الخارج عليها بالايجاب بعكس بلدان العالم العربي؟
الجواب باختصار ان الانطلاقة اليابانية كانت انطلاقة صحيحة ،بخطة مدروسة لا تعتريها شوائب ،ووظفت لها كل الجهود و الامكانيات المتاحة.

اميمة بونخلة

مشاركة