اهتزت الأوساط الرقمية ومجتمعات التداول عبر المجموعات الافتراضية يومه الإثنين 27 أكتوبر 2025. على وقع حادث مأساوي كاد أن ينتهي بفاجعة،بعدما أقدم متداول من اصول مغربية معروف بالحروف الأولى “ع.ب” علىمحاولة وضع حد لحياته إثر أزمة نفسية خانقة ناجمة عن تجميد أمواله داخلمحفظة إلكترونية مرتبطة بمنصة تداول معروفة تنشط على نطاق واسع فيالمنطقة العربية والشرق الاوسط. وتعود تفاصيل الواقعة إلى نحو شهرونصف، حين قام المعني بالأمر، وهو رب لأسرة تتكون من زوجة حاملوطفلين، بسحب مبلغ مالي من حسابه الاستثماري وتحويله عن حسنة نية دون علمه بخرق قواعد المنصة، إلى محفظة زوجته الإلكترونية. هذا الخطأالتقني البسيط، الذي لم يكن مقصودا، ترتب عنه حظر فوري لعملياتالسحب من طرف المنصة المعنية بدعوى “مراجعة إجراءات التحقق منالهوية”، مع مطالبة المتداول بمجموعة من الوثائق الإضافية لتأكيد ملكيةالحسابات والتحويلات و التي قدمها دون تردد. غير أن طول المدة التيتجاوزت 48 يوما دون أي استجابة فعلية من إدارة المنصة، دفع الرجل إلىحالة من اليأس الشديد، خصوصا و أنه يعتمد بشكل كامل على التداولكمصدر رزق وحيد لإعالة أسرته. ومع تراكم الضغوط المعيشية والنفسية،دخل في دوامة من القلق والإحباط انتهت بمحاولة انتحار فاشلة، لولا تدخلأحد إخوته في اللحظات الأخيرة لإنقاذه من موت محقق. هذه الحادثة المؤلمةأعادت إلى الواجهة النقاش الدائر حول بيئة التداول الرقمي في المنطقةالعربية، وغياب الأطر القانونية والرقابية الواضحة التي تحمي المتداولينالصغار من التعسف أو التأخير غير المبرر في معالجة ملفاتهم المالية. فبينماتزدهر المنصات الإلكترونية وتروج لأرباح سهلة وسريعة، يظل كثير منالمستثمرين الأفراد رهائن لسياسات داخلية معقدة لا تخضع في كثير منالأحيان لرقابة مؤسسات مالية وطنية. خبراء في الشأن الاقتصادي والتقنييرون أن ما وقع مع المتداول “ع.ب” ليس حالة معزولة، بل يعكس هشاشةالمنظومة القانونية التي تنظم التداول الإلكتروني في عدد من دول الشرقالأوسط، إذ تعمل بعض المنصات في مناطق رمادية من الناحية التنظيمية،مما يترك المتداولين أمام غموض كبير في ما يتعلق بحقوقهم ومساطر التظلم.في المقابل، دعت فعاليات حقوقية وجمعوية إلى ضرورة فتح نقاش وطنيحول آليات حماية المستثمرين الرقميين، وتوفير أطر قانونية تضمن الشفافيةوتحد من المخاطر النفسية والاجتماعية التي قد تنجم عن ممارسات غيرمنضبطة في هذا المجال. كما ناشدت هذه الفعاليات المنصات المعنية التحليبالمسؤولية الاجتماعية والإسراع في معالجة الملفات العالقة بطريقة أكثرإنسانية تراعي أوضاع المتداولين الذين يعتمدون على هذه الأنشطة كمصدرأساسي للعيش. القضية، التي تحولت إلى حديث رواد مواقع التواصلالاجتماعي، تسائل بعمق مدى جاهزية المجتمعات العربية للتعامل معتحولات الاقتصاد الرقمي وما يترتب عنها من آثار اجتماعية ونفسية، خاصةفي ظل غياب الوعي المالي الكافي والثقافة القانونية المواكبة. فبين أحلامالثراء السريع ومخاطر الخسارة الفادحة، يظل الإنسان هو الحلقة الأضعففي منظومة معقدة تتطلب قدراً أكبر من التنظيم والشفافية والمواكبةالمؤسساتية.
محمد عبد العالي أباضة / ناشط حقوقي.

