رشيد أنوار / صوت العدالة
تميزت المدينة السلطانية تزنيت منذ القدم بصناعها المهرة ، في فنون الصياغة لاسيما الفضية ، فكانت سوقا للعرض ، و مكانا لتجمع الصناع لعرض ما جادت به أناملهم ،مما جذب أمهر الصناع من مختلف المدن المغربية ،من مسلمين و يهود ، و أنسكبت ثقاقاتهم على سيوف وخناجر وحلي نسائية ، متخدة أشكالا وحروف ورموزا و ألوانا ، تثير فضول الباحثين .
بين الرموز و الحروف و الاشكال تختفي حكايات عائلات تنفست رائحة الفضة ، وحملت شرف ” مول النقرة ” بين الجيران و الأقران ، و عاشت أمل يشكل بالنار و الدق ، في ليالي معتمة على ضوء شمعة ، تناوبت عليه أفراد الأسرة ، ليكتب على حلي يدخل الفرحة على عروس ….
نبشنا قادنا الى “اد الجغاوي” داخل السور العريق ، و هو منزل المرحوم المعلم مولاي الناجم البيض السباعي الشناني، المزداد سنة 1925، الذي كان من أمهر الصناع التزنيتيين ، لنعيش مع إبنته سعاد البيض ليلة من ليالي الصانع …
بعفوية و دمعة تخجل من النزول من عينيها وبريق من العزو و الإفتخار تحكي :” كبرت فوسط واحد الأسرة بسيطة ولكن غنية بالقيم، وكان المصدر الوحيد للعيش ديالنا هو الفضة، هاد المعدن النفيس اللي ماشي غير كنا كنعيشو منو، بل كان جزء من الهوية ديالنا.

“صورة ناذرة للمرحوم المعلم مولاي الناجم البيض السباعي الشناني“
من صغري، وأنا محاطة بأجواء الصياغة، كبرت على صوت المطرقة، وعلى رائحة النار والمعادن، وعلى تفاصيل القطع اللي كتصاوب بيدين الوالد، الله يرحمو. ماشي غير حرفة، ولكن كانت فن، وكانت رسالة. عمرني حسّيت أنني غريبة على هاد العالم، بل بالعكس، كنت كنحس راسي فيه، فخورة به، ومتشبثة به.
الوالد ديالي هو المرحوم المعلم مولاي الناجم البيض السباعي الشناني، تزاد فـ1925، وكان من الصناع المهرة فتزنيت. الوالدة ديالي كتسمى فطومة، وهي منحدرة من نواحي مدينة الصويرة، والزوجة الأولى للوالد، اللي كنسميها جدتي احتراما لها فهو الأم الثانية ديالي كانت من أصل تيزنيتي من دوتركة.
كبرنا فدار كانت عامرة بالحب، بالعشرة، وبالاحترام، 12 ديال الخوت، خمسة ديال الذكور وسبعة ديال البنات، منهم 3خوت من الأب، والباقي من الأب والأم، ولكن كان الانسجام والتفاهم جامعنا كاملين.
الوالد ما كانش كيبخل علينا لا بالمحبة لا بالمعرفة. كان كيشاركنا تفاصيل الحرفة من الألف حتى الياء. منين كيمشي للسوق باش يجيب الفضة، سواء على شكل “رَحى” (الفضة الخام)، أو مسوقات قديمة، كيدوّبها فالة كتسمى لافورج باش يحصل على الكتلة الفضية، ومن تما كياخدها للمكينة باش يحوّلها لسبائك أو سلك أو قطع حسب الحاجة.
كل فرد من الأسرة كانت عندو يد فهاد الحرفة. الأم ديالي كانت كتزلك أو كدور السلك الفضي،بواحد الآلة كتدوّرو حتى كيولي فيه تموّجات رقيقة، وأنا وخواتاتي كنا كنقصّوه بالمقص ونشكلوه كنسمّيوها “التيليكرام”، واللي كنستعملوها فصناعة الحلي، بحال الحزام الفضي، أو قطع أخرى زوينة.

“الأب و الأبن المرحومين مولاي الناجم و عزيز البيض “
حتى الإخوان ديالي، الله يرحم منهم من رحل، والله يطوّل عمر الباقين، كانو كيخدمو معانا، وكان كل واحد عندو لمسة خاصة. من اخي الاستاذ مولاي احمد والاستاذ مولاي محمد، والمرحوم مولاي عبد العزيز، و مولاي سعيد و مولاي اعمر … وكانو فعلاً من أمهر الصناع التقليديين. وأنا كنتمنا من قلبي يتم استغلال هاد الكفاءة والمعرفة، ويتعلمو منها الأطفال والشباب اللي باغيين يتجهو للصناعة التقليدية اليدوية.
تربّينا وكبرنا وتعلّمنا وتكوّنا وعشنا من هاد الصياغة. أي قطعة كنصاوبوها ما كتكونش غير حلي، كتكون لوحة فنية، فيها الوقت، وفيها التركيز، وفيها العرق، وفيها الروح. ما عمر هاد الحرفة غنّاتنا، ولكن سترتنا، وخلّاتنا نعيشو بكرامة، ونكبرو مرفوعي الراس.

“النقش على الخنجر الشناني”
أنا فخورة جداً بالأب ديالي، الله يرحمو، وبالأم ديالي، الله يرحمها، وبالإخوان ديالي اللي كانوا سند وركيزة. وكنتمنا من أعماق قلبي أن هاد الموروث يبقى حي، ويتوارث من جيل لجيل، ماشي غير كحرفة، ولكن كقيمة، وكهوية، وكفنّ نبيل.”
يحق لتزنيت أن تحتفل ، ويحق لأبناءها البررة الإفتخار ، فقد طبعت تيميزار هوية ، و أخرجت منظومة سلاسل إنتاج الفضة ، و أخدت تزنيت مكانة الريادة ، فقد كانت الوصية منقوشة على انامل الأجداد تسلم لجيل بعد جيل ، وما قصة البيض الا واحدة من الاف القصص التى عاشت حياة الزهد بإيمان العفاف و الإخلاص لفن نبيل يصاغ في معدن نفيس .

“سعاد البيض بالحلي التزنيتي “