الرئيسية آراء وأقلام حزب العدالة والتنمية بالمنظور الخلدوني ( 2 )

حزب العدالة والتنمية بالمنظور الخلدوني ( 2 )

IMG 20190316 WA0015.jpg
كتبه كتب في 16 مارس، 2019 - 9:39 صباحًا

 

بقلم : الاستاذ الباحث
لحسن شافع / صوت العدالة

 

 

بعد أن ذكرنا ملامح نظرية ابن خلدون بشيء من الاختصار سنعود مرة أخرى محاولين الإجابة على السؤال الذي افتتحنا به المقالة، هل تنطبق نظرية ابن خلدون على الأحزاب؟ باعتبارها تنظيمات تنطلق بفكرة ودعوة جامعة بين أفرادها كما تفعل العصبية عند ابن خلدون، دعوة تتولى تعبئة الموارد البشرية التي تسعى بدورها إلى تحقيق الأهداف المشتركة، فصَرحُ أي تنظيم سياسي يبنى على أساس رابطة اجتماعية، نفسية وفكرية بين أعضائها.
فما يقال على الدول والأمم ينطبق كذلك على المؤسسات والأحزاب، فهي تهرم بعد النضج والفتوة والحماس، وإذا انخفض ” سقف الأهداف وتقل حدة الفكرة ووضوحها، وتخبو جذوة الشباب والحيوية أضف إلى ذلك بُعد الأتباع عن الحركة وانغماسهم في أمور الدنيا مما يضعف الرابطة (العصبية) إما لغياب الهدف المشترك، أو لعدم السعي لتحقيقه من خلال إعاقات نفسية، وغلبة أمور الحياة والمعشية على التفكير”7.

مثال : حزب العدالة والتنمية

وما وقع لحزب العدالة والتنمية بعد التشريعات النيابية 2016 من أحداث مرورا ب “البلوكاج السياسي” واستبعاد أمينه العام السابق عن رئاسة الحكومة إلى قبوله مرغما بشروط تشكيل الحكومة، أمور دفعت البعض إلى القول بأن الحزب الحاكم بالمغرب دخل فعليا في مرحلة التراجع والأفول، بعد أن وصل إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه حزب سياسي في المغرب وهو رئاسة الحكومة.
وهنا سنحاول استعارة منهج ابن خلدون للوقف عند أسباب هذا التراجع إن اعتبر أصلا تراجع ونكوص.
انغماس القادة في الترف: يمكن الجزم في هذه النقطة والقول أن زعماء الحزب وقادته السياسيين لم يتحقق فيهم هذا الشرط، فلم يراكموا الثروات والأموال خلال توليتهم مناصب المسؤولية، والجميع يشهد لهم بنظافة اليد، ويكفي أن نورد مثالين في هذا الباب الأول القيادي الراحل عبد الله باها وزير الدولة سابقا الذي لم يخلف بعد موت أكثر من 15 الآلف درهم في حسابه البنكي.
والمثال الثاني زعيم الحزب ورئيس الحكومة السابقة عبد الإله بن كيران الذي اضطر بعد استبعاده من رئاسة الحكومة إلى البحث عن عمل قبل أن يتدخل عاهل البلاد بمنحه تقاعد استثنائي يليق برئيس حكومة سابق.
وعلى العموم فجل الانتقادات التي توجه لحزب العدالة والتنمية لا تمس نظافة يد أعضائه أو تهم الثراء الفاحش وما إلى ذلك من مظاهر الاغتناء غير المشروع، لذا فعامل انغماس القادة والمؤسسين في الترف والنعيم سبب مستبعد في أفول نجم الحزب.
أما توفر العامل الثاني المتمثل في الانقياد والخضوع، يمكن أن يكون وارد في هذه التجربة، فتشكيل الحكومة بعد الاستحقاقات التشريعية الأخيرة، يعتبر امتحانا حقيقيا لحزب العدالة والتنمية.
النجاح الذي خرج به الحزب من معركة الانتخابات، قابله فشل في تشكيل الحكومة بالشكل الذي يريده، حيث سعى أمينه العام السابق عبد الإله بن كيران إلى تشكيل حكومة من منطلق المنتصر والمتغلب، إلا أن الواقع السياسي فرض عليه شروط أخرى لم يتوقعها، شروط مرتبطة بطبيعة الأحزاب التي ستشكل الأغلبية وكذا نوع الحقائب الوزارية التي سيتولاها كل حزب، فلم يسعفه أزيد من مليون صوت في فرض شروطه، بل أكثر من ذلك تم إبعاده من اللعبة السياسية بشكل نهائي، ليقبل في النهاية رئيس مجلسه الوطني آنذاك سعد الدين العثماني والمكلف بتشكيل الحكومة ما رفضه سلفه وجزء كبير من مناضلي الحزب وأعضائه ومن ورائهم شريحة هامة من المغاربة ممن اعتبر هذا الحدث مساسا خطيرا بالمسلسل الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب منذ سنوات.
ليبقى السؤال المطروح هل قبول شروط تشكيل الحكومة بتلك الطريقة يعتبر نوعا من الخضوع والانقياد من المنظور الخلدوني، وبالتالي مظهرا من مظاهر أفول نجم حزب العدالة والتنمية؟
بعيدا عن منطق حشد التبريرات، ولتحليل موقف حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة سنعود لمرتكزات هذا الحزب ولأفكاره المؤسسة للمشروع الذي يحمله والتي تقوم عليها الرابطة الاجتماعية ( العصبية) للحزب.
المرتكز الذي يمكن أن يفسر به هذا الموقف هو : مبدأ التدرج في إقرار الإصلاح، وهو مبدأ ما فتىء يردده منظري وقادة الحزب ومرتكز أصيل في الرؤية السياسية لحركة التوحيد والإصلاح الحاضنة الأولى لمشروع حزب العدالة والتنمية، ثم مبدأ إعمال القواعد الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ” وهي القواعد التي توجب مواجهة المنكر أو تمنعه بحسب المآلات التي تنتهي إليها تغييره”8.
هي مبادئ ربما تفسر موقف حزب العدالة والتنمية في قبول الشروط المفروضة لتشكيل الحكومة الأخيرة وغيرها من المواقف التي تظهر الحزب في موقع الخضوع والانقياد، على اعتبار أن تلك المرتكزات هي الرابطة الفكرية (العصبية بمفهوم ابن خلدون) التي تعاقد عليها أعضاء الحزب، والتي يبدو أنها ما زالت تسعفه في ظل طبيعة التدبير بالمغرب.
لكن بالنسبة للمواطن المغربي العادي الذي لا تهمه أكثر تلك الرابطة بقدر ما يهمه ما يقدمه وسيقدمه الحزب انطلاقا من موقعه التدبيري، خاصة في القطاعات الاجتماعية الحيوية ( تشغيل، تعليم وصحة …) والذي سيكون موقفه من حصيلة حزب العدالة والتنمية خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة الفيصل في الحكم على التجربة الحالية.

انظر : فكر ابن خلدون، العصبية والدولة، محمد عابد الجابري.
نفسه.
مقدمة ابن خلدون: الصفحة: 129.
نفسه الصفحة: 114.
فكر ابن خلدون، العصبية والدولة، محمد عابد الجابري، الصفحة: 184.
مقدمة ابن خلدون: الصفحة: 114.
د. جاسم سلطان، الفكر الاستراتيجي للتاريخ ص:49.
الرؤية السياسية لحركة التوحيد والإصلاح ص: 33.

مشاركة