في إطار اشتغالها على محاربة ظاهرة تزويج الطفلات بشكل عام و بإقليم أزيلال بشكل خاص، نظمت جمعية صوت المرأة الأمازيغية ندوة ختامية لمشروع”المساهمة في محاربة تزويج الطفلات بأزيلال” بمناسبة مرور سنتين عن تجربتها الميدانية في محاربة الظاهرة، احتضنتها العاصمة الرباط عشية يوم الجمعة 14 ديسمبر 2018، تزامنا مع تخليد اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والأيام الأممية لمحاربة العنف ضد النساء.
استهلت أشغال الندوة العلمية بكلمات افتتاحية تلتها السيدة حادة خيراوي عن الجمعية أكدت على أنه “بالرغم من كثرة الأسباب والدوافع التي تقف وراء استمرار ظاهرة تزويج الطفلات بالمغرب، إلا أنه في غالب الأحوال ما يتم تفسيرها بالجهل وبوجود رغبة من طرف الأسر في حماية الطفلات من التحرش والظروف المعيشية الصعبة فضلا عن تجذر هذه الظاهرة بشكل راسخ في الضمير الجماعي لدى العديد من المناطق باعتبارها سلوكا اجتماعيا لا ضرر فيه (أنفكو و إميلشيل كمثال).
وأضافت الكلمة الافتتاحية، أنه “صحيح أن تزويج الطفلات هو ظاهرة معقدة يتداخل فيها ما هو ثقافي واقتصادي واجتماعي، إلا أن الوضع التشريعي الحالي يوفر بشكل كبير الأجواء المناسبة لشرعنة وجود الظاهرة واستمرارها خاصة أمام قصور مقتضيات مدونة الأسرة التي لم تستطع الإبقاء على الوضع الاستثنائي لهذه الظاهرة وفقا للغاية التي كان يتوخّاها واضعي مدونة الأسرة”.
وانطلقت أشغال اللقاء بعرض فيلم قصير بعنوان “تيتريت نجمة تنطفئ”، يروي قصة فتاة تدعى “تيتريت” تعيش في مدينة أزيلال (وسط المغرب)، منعها والدها من متابعة دراستها من أجل تزويجها من رجل يكبرها يعيش في الخارج، لتكتشف لاحقًا سفره رفقة زوجته الأولى وأبنائه واستقدامها لخدمة والدته، مما جعلها تعيش حالة نفسية صعبة.
شكل عرض الفيلم أرضية لانطلاق أشغال الندوة حيث استهلت بمداخلة خديجة زويتني، الباحثة في علم الاجتماع، التي أوضحت في مداخلتها أن هذا النوع من “الزواج” يستهدف الإناث بنسبة أكبر من الذكور، مشيرة إلى أن أسبابه عديدة، يتصدرها العامل الاقتصادي، ذلك أن الأسر التي تزوج طفلاتها تعاني الفقر والهشاشة، فضلا عن غياب فرص اقتصادية للإناث في العالم القروي.
في نفس السياق، قالت المحامية عائشة الحيان وهي عضوة في ” اتحاد العمل النسائي”، إن مدونة الأسرة فيها بعض المكتسبات، وكانت تشكل في بدايتها ثورة هادئة، لكن بعد مرور 15 سنة من اعتمادها أبانت عن عدم فعاليتها.
وأضافت الحيان أن مدونة الأسرة تحتوي على مقتضيات تمييزية تنتهك حقوق النساء، ومن بينها المادة 20 الخاصة بتزويج الطفلات.
وأوضحت الحيان أن نسبة تزويج الطفلات تتصاعد سنة بعد سنة، حيث أصبح الاستثناء هو القاعدة، وكأن مدونة الأسرة جاءت لإباحة هذه الظاهرة لا لتقييده.
وأكدت الحيان أن السلطة التقديرية الواسعة للقضاة وأفكارهم وتوجهاتهم الذكورية تسمح بقبول ملفات تزويج الطفلات.
وأبرزت نفس المتحدثة أن تزويج الطفلات يؤدي إلى استدامة الفقر، لأن الطفلة المتزوجة تخرج من الدراسة مبكرا، وبالتالي تصبح تحت سيطرة الرجل وهذا يعيد إنتاج الفقر والأمية.
ودعت المحامية الحكومة إلى منع تزويج الطفلات، متأسفة على تفويت فرصة تجريمه في قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، فضلا عن اغفال الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان لهذا الموضوع الذي اعتبرته مجرد قضية إشكالية.
أما المحامي بهيئة الرباط محمد ألمو فاعتبر أن تزويج الطفلات يتجاذبه تياران، التيار الأول يدافع عنه وهو بذلك يدافع عن البيدوفيلية، والتيار الثاني ضد زواج القاصرات، متقدم وليبرالي.
وأضاف ألمو أن مدونة الأسرة تركت عدة إشكاليات في مسألة تزويج الطفلات دون أجوبة، وهذا راجع لمنهجية وضع هذه المدونة الذي كان تعدديا.
وأوضح ألمو أن الدولة تمارس نفاقا تشريعيا فيما يخص مدونة الأسرة، ففي القانون الجنائي هناك خروج عن المرجعية الدينية، فعقوبة السرقة ليست هي قطع اليد، وعقوبة الزنا ليست هي الجلد، اما فيما يخص مدونة الأسرة فإننا نجد مجموعة من الأمور فيها تستند على مرجعية دينية ومنها مسألة تزويج الطفلات.
وأكد ألمو أن العقلية الذكورية تحول دون تزويج الطفلات، لذلك يجب أن يكون هناك قانون مدني علماني يحفظ حقوق هؤلاء القاصرات وحقوق النساء بشكل عام، بعيدا عن المرجعية الدينية.
وأشار المحامي ألمو أنه من الخطأ تحميل المسؤولية في تزويج الطفلات للقضاء، لأن هناك اجتهادات قضائية متنورة في هذا الباب، بل المسؤولية تقع على الجانب التشريعي.
وأكد ألمو أن دور النيابة العامة في تزويج الطفلات يبقى مجرد دوري شكلي طالما أن المشرع منعها من الطعن في المقررات القضائية التي تصدر بالاستجابة للطلبات.
وشدد ألمو على أن مدونة الأسرة هي نتاج مجتمع ذكوري، وتمت صياغتها بمنهج ذكوري أيضا.
من جهتها، قالت الفاعلة الحقوقية نجاة الرازي إن ظاهرة تزويج القاصرات تنطوي على تمييز وعنف قائم على النوع الاجتماعي، “وهي خرق لحقوق الإنسان وحقوق الطفل المضمنة في المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب وخرق للدستور”، وفق تعبيرها.
وأضافت الرازي أن تزويج القاصرات يمثل عنفا لما يسببه من أضرار نفسية وجسدية للطفلة، ونظرا إلى حرمان الطفلة المتزوجة من الحرية، مشيرة إلى أن “تزويج القاصرات فيه تشجيع على ممارسة العنف ضد النساء، لأن الطفلة المتزوجة تسهل ممارسة العنف عليها بكل أنواعه”.
أشغال الندوة العلمية عرفت مشاركة قاضيات وقضاة من جمعيات مهنية متنوعة حيث قدم الدكتور أنس سعدون عضو نادي قضاة المغرب مداخلة استهلها بتسجيل عدة ملاحظات من قبيل أن معدلات تزويج الطفلات آخذة في الارتفاع، علما أن متوسط العمر في الزواج حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط يرتفع أيضا، وبذلك نحن أمام وضعية غريبة ومتناقضة في نفس الوقت.
كما أن غالبية طلبات تزويج القاصر تتعلق بفتيات مما يؤكد تأنيت هذه الظاهرة، فضلا عن أن غالبية حالات تزويج الطفلات تنته بالفشل، وهو ما يبدو من خلال شكايات العنف الزوجي والطرد من بيت الزوجية واهمال الأسرة وقضايا التطليق لعدم الانفاق أو للشقاق التي تتقدم بها قاصرات، وهو ما يؤكد فشل العلاقات الزوجية المبنية على عقود زواج يكون أحد أفرادها ما يزال طفلا.
وعلق الدكتور أنس سعدون على نتائج دراسة حول ظاهرة تزويج الطفلات بمنطقة أزيلال وضواحيها، أظهرت أن أغلبية الطفلات اللواتي يتم تزويجهن يكن قد غادرن أسوار الدراسة ولا يزاولن أي عمل، ويكون عمرهن إما 17 او 16 او 15 سنة، وفي بعض الأحيان يصل إلى 14 سنة.
وأضاف عضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية أنس سعدون ان هذه الارقام تبقى تقريبية لأن أغلبية الأسر في العالم القروي لا تسجل أبنائها في الحالة المدنية وبالتالي تكون الأعمار تقريبية.
وأكد سعدون أن أغلبية طلبات تزويج الطفلات تنتهي بالقبول، ليس لأن القضاة يشجعون هذه الظاهرة، بل لأنهم يعلمون أن تزويج الطفلة سيتم لا محالة، لأنه عند الرفض يتم اللجوء الى ابرام زواج بدون توثيق، حيث تضيع كل حقوق الفتاة.
في نفس الاطار أوضح الدكتور أنس سعدون أن قضاة الأسرة طوروا مجموعة من الممارسات القضائية الفضلى لتقييد تزويج الطفلات، ومنها فرض الاختصاص المحلي، والاستماع للخاطب، والبحث في أوضاعه الاجتماعية، والجمع بين الخبرة الطبية والبحت الاجتماعي، واعتبار تطليق القاصر طلاقا تعسفيا موجبا للتعويض.
وشدد نفس المتحدث على أن زواج القاصرات ظاهرة مركبة يلتقي فيها، ما هو ثقافي وقانوني واقتصادي، لكن الدافع الاقتصادي يكون هو السبب الأساسي لان كثيرا من الآباء يزوجون بناتهن في سن صغير من أجل التخفيف من العبء.
واعتبرت ثريا تناني، وهي رئيسة جمعية مبادرات ببني ملال، أن التبريرات التي يحاول مؤيدو تزويج الطفلات إضفاء الصبغة الشرعية عليها ليست قانونية ولا واقعية، مضيفة أن الطفلات “مكانهن فصول الدراسة وليس الزج بهن في غرف النوم”.
وانتقدت تناني ما أسمته “استغلال التيارات المحافظة للدين لتكريس تزويج الطفلات”، قبل أن تستدرك قائلة إن الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء والفتيات، والمناهضة لتزويج القاصرات “لا يخضن صراعا مع الرجال، بل مع العقلية الذكورية، التي تسعى إلى بسط سلطويتها على المرأة”. كما استنكرت تهميش الدولة للمناطق النائية التي ينتشر فيها تزويج القاصرات، معتبرة أن هذا التهميش “يشكل وصمة عار على جبين الدولة”.
وبعد فتح باب المناقشة أمام الحضور أكد المتدخلون أن مواجهة تنامي ظاهرة تزويج الطفلات تصطدم بإرادة المشرع الذي لا يمنع هذه الظاهرة على اعتبار أنها قضية خلافية ونظرا لطبيعة المجتمع الذكوري، وشددوا التأكيد على ضرورة مراجعة مدونة الأسرة لملاءمتها مع دستور 2011 وعدد من الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب.