الرئيسية غير مصنف المهن العظيمة لا تبنى بالأفراد..بل بالجماعات المتضامنة”..

المهن العظيمة لا تبنى بالأفراد..بل بالجماعات المتضامنة”..

IMG 4564
كتبه كتب في 5 أكتوبر، 2025 - 8:48 مساءً

ذ/ يوسف عبد القاوي؛

محام؛

عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء.

لا شك أن التكافل والتضامن بين المحامين، له أهمية استراتيجية على المستويين الفردي والمهني الجماعي، فهو يعد ركيزة أساسية لنجاح أي مجموعة مهنية، لكونه يسهم في تعزيز التماسك المهني والهوية المشتركة بحيث يشعر الزملاء بأنهم جزء من مجتمع متجانس يشارك نفس التحديات والقيم، مما يقوي انتماءهم للمهنة ويقوي الحماية من المخاطر المهنية والحفاظ على مكانة المهنة وسمعتها.

عندما يتضامن المحامون لفرض معايير أخلاقية عالية، يقل الفساد أو الممارسات غير المهنية، مما يحافظ على ثقة المجتمع ويساهم في تقوية تأثيرهم الاجتماعي والسياسي فالمهن المتضامنة تصبح قوة تغيير في المجتمع مثل دور المحاماة في الدفاع عن العدالة أو حقوق الإنسان.

ويعتبر التضامن بين المحامين خاصة أمرا حيويا بالنظر إلى طبيعة مهنتهم المستقلة وارتباطها بالعدالة الشيء الذي يجعلها عرضة للضغوط السياسية أو الاقتصادية.

إن التكافل بين الزملاء ليس مجرد عمل خيري، بل واجب واستثمار في بقاء المهنة وازدهارها، فكلما زاد التضامن، زادت القدرة على مواجهة التحديات الفردية والجماعية، مما ينعكس إيجابا على العدالة والمجتمع ككل، فقد قال أحد الشعراء:

وإن ضاع التعاون في أناس … عفت آثارھم فيالضائعینا

تم أضاف:

خاب قوم أتوا وغى العيش عزلا … من سلاحي تعاون واتحاد

فطالما كان المحامي للمحامي كالبنيان يشد بعضه بعضا، وكان المحامون في تآزرهم وتعاونهم وتضامنهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وهو ما يجب أن يستمر ويتقوى فلم يبن مجد على فرقة، ولن يرتفع باختلاف علم.

وهيئات المحامين مدعوة لأن تتبنى العديد من أشكال التكافل والتضامن بين أعضائها لتعزيز التآزر المهني، وتحسين ظروف الممارسة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي، ومن هذه الأشكال:

1. إنشاء صندوق التكافل الاجتماعي للمحامين:

ويتعلق الأمر بإنشاء صندوق مالي يساهم فيه المحاميات والمحامون بشكل طوعي أو إلزامي لدعم المحامين الذين يواجهون صعوبات مالية (بسبب المرض، العجز، الشيخوخة، أو الأزمات الطارئة)، وتقديم منح أو قروض للمحامين الشباب أو المتعثرين. 

فالأمر يتعلق هنا بمكنة قانونية تتيحها مقتضيات المادة 91 من القانون رقم 28.08   المنظم لمهنة المحاماة والتي تنص على أنه: “يتولى مجلس الهيئة، زيادة على الاختصاصات المسندة إليه، النظر في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة، المهام التالية:

إنشاء وإدارة مشاريع اجتماعية لفائدة أعضاء الهيئة، وتوفير الموارد الضرورية لضمان الإعانات والمعاشات لهم أو للمتقاعدين منهم أو لأراملهم وأولادهم سواء في شكل مساعدات مباشرة، أو عن طريق تأسيس صندوق للتقاعد، أو الانخراط في صندوق مقبول للتقاعد”.

كما أن لا شيء يمنع هيئات المحامين من إنشاء صناديق لتخصيص مساكن دائمة أو أخرى مؤقتة للمحامين غير القادرين على توفير سكن لائق، خاصة في مدينة كبرى كالدار البيضاء حيث الإيجار مرتفع، ويمكن الاستفادة من تجارب سابقة ناجحة مكنت العديد من المحامين من تملك عقارات محترمة في مواقع مميزة بذات المدينة.

إن الأمر هنا لا يتعلق بترف فكري، بل بضرورة ملحة تسهم في تعزيز الترابط الاجتماعي والتضامن بين المحامين وتعزز الشعور لديهم بالانتماء لمهنة المحاماة النبيلة، وأمر يستدعي إيجاد آليات للتنسيق قصد توحيد أنظمة التكافل الاجتماعي على مستوى جميع هيئات المحامين بالمغرب.

2. تبني برامج للدعم القانوني والمشورة:

إن المهن العظيمة تتطلب تعاونا مشتركا بين الأفراد الذين يمتلكون مهارات وخبرات مختلفة، ففي سياق العمل المهني، مثل المحاماة، هناك تعدد في المهام والاختصاصات يصعب على الفرد الواحد أن يحققها بمفرده.

لذلك يبقى التضامن بين الأفراد داخل نفس المجال المهنيأكبر مساهم في تطوير القدرات الفردية والجماعية، فالجماعات المتضامنة تكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات المعقدة، كما يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف أعلى من خلال العمل الجماعي الذي لا يمكن أن يحققه الفرد بمفرده.

والمقصود بهذا التدبير تقديم استشارات قانونية مجانية من كبار المحامين للزملاء الجدد أو المحتاجين وبالتالي إنشاء نظام لمساعدة المحامين حديثي الالتحاق بالمهنة، فالتفاعل بين الزملاء الذين يتمتعون بمهارات ومعرفة متنوعة يسمح بتبادل الخبرات، وإثراء الحلول، والتوصل إلى إستراتيجيات مبتكرة، مما يؤدي إلى تقدم المهام بشكل أسرع وأكثر دقة، ويؤدي بالتالي إلى تلميع وتحسين صورة المحامي داخل منظومة العدالة خاصة وداحل المجتمع بصفة عامة.

3. تقديم منح وتمويل التكوين المستمر للمحامين وأبنائهم:

إن هيئات المحامين مدعوة إلى انخراط أكبر وأعمق في تطوير كفاءات المحامين عبر تمكين المحامين الراغبين في متابعة دورات تدريبية أو دراسات عليا منح دراسية أو مساعدات مالية، فضلا عن تنظيم أوراش عمل مجانية أو مدعومة لتنمية المهارات القانونية وحتى المساهمة في نشر وطبع أطروحات الدكتوراه التي يحصل عليها المحامون من أجل تكريس مكانتهم كمثقفين وذوي تكوين عال داخل المجتمع. 

كما أن هيئات المحامين مدعوة إلى تشجيع أبناء المحامين المتفوقين دراسيا بمنح دراسية تعينهم وعلى الذهاب بعيدا في تكوينهم الأكاديمي.

4. التضامن المهني في القضايا العامة:

يمكن أن يتأتى ذلك عبر تشكيل لجان للدفاع عن حقوق المحامين أمام الجهات الرسمية (مثل المطالبة بتحسين التشريعات المرتبطة بعمل المحامين، وتحسين ظروف العمل، وتقوية الحصانة والاستقلالية وتنظيم حملات تضامنية مع محامين يواجهون انتهاكات أو تهديدات وعقد شراكات مع مراكز طبية لتقديم خصومات للأعضاء.

فالتحديات التي تواجه المحاماة تتطلب تعاوناواستراتيجيات مشتركة لمواجهتها بنجاح، فالجماعات المتضامنة تستجيب بشكل أكثر فاعلية للمشاكل التي تواجهها، والعمل الجماعي يوفر دعما متبادلا يساعد في تجاوز الصعوبات، حيث يمكن للمحامين دعم بعضهم البعض في حالات الضغط أو عندما تتطلب الأمور اتخاذ قرارات هامة في وقت ضيق.

5. تكريم ورعاية المحامين المتقاعدين والمتقدمين في السن:

تكريم المحامين القدامى وتقديم كل أشكال الدعم والرعاية لهم بعد التقاعد وإنشاء صندوق معاشات تكميلية للمحامين المتقاعدين كلها مبادرات مهمة تعكس عرفانا وعناية بالمحامين القدامى الذين قدموا خدمات جليلة لمهنة المحاماة

إن نموذج المبادرات المشار إليها كفيلة بتعزيز التلاحم المهني وتظهر دور هيئة المحامين كـ”بيت الخبرة” الذي لا يهتم فقط بمصالح الأعضاء، بل أيضا بمسؤوليتهم الاجتماعية اتجاه بعضهم البعض.

ختاما، إن الجماعات المتضامنة لا تعني فقط العمل الجماعي بل تعني أيضا المسؤولية الجماعية،فالتضامن بين المحامين لا يتوقف عند حدود العمل مع الآخرين، بل يشمل التزاما مشتركا بقيم وأخلاقيات المهنة، لأن العمل الجماعي في مهنة المحاماة مصحوببمسؤولية مهنية وأخلاقية، ومستند إلى أعراف وتقاليد اتفاق مسبق على مبادئ مشتركة تسهم في الارتقاء بالمهنة وتؤدي إلى نتائج مهنية عالية الجودة.

مشاركة