بقلم الأستاذ سعد ميكو
ماستر في قانون الأعمال
ماستر العلوم الجنائية والدراسات الأمنية
ماستر الإدارة الترابية للسلك العادي للرجال السلطة
بالمعهد الملكي للإدارة الترابية وزارة الداخلية.
باحث في العلوم الجنائية والأمنية .
المخدرات والمؤثرات العقلية.
تقديم :
شكل استفحال وتعاضم تجارة المخدرات و المؤثرات العقلية خطرا داهما على المستويين الدولي و الوطني ، إذ يمتد هذا النوع من الإجرام امتدادا دوليا و إقليميا واسع النطاق ، ويشكل خطرا حقيقيا على الصحة الجسدية والنفسية وعلى الرفاهية و الراحة و الأمن و الاستقرار المجتمعي
حيث تتميز جرائم التعامل غير المشروع للمخدرات و المؤثرات العقلية بطابعها المعقد وامتدادها العبر وطني ، إذ يتم تنفيذها من خلال شبكات إجرامية منظمة قد تكون محلية أو عابرة للقارات.
لذا كانت مهمة مكافحتها ومحاربتها الأمنية و التشريعية ليست باليسيرة ، وهو مادعى المملكة المغربية للتدخل الحازم و العقلاني للإحاطة بكافة صور التعامل بها والطلب عليها و الاتجار فيها بصورة غير مشروعة ، بدءا من الحيازة والإحراز و البيع و الشراء و المقايضة و النقل و التسليم و التسلم و الوساطة في ذلك و المشاركة في كل ذلك .
لذلك تعنى هذه الورقة البحثية بتسليط الشعاع على واحدة من أهم جرائم المخدرات و المؤثرات العقلية و التي تستهدف بالأساس:
المسك بصفة غير مشروعة للمخدرات ” كوكايين الشيرا – أقراص طبية ” والإتجار فيها ونقلها وتسهيل استعمالها على الغير بمقابل في إطار اتفاق جماعي و إستيراد المخدرات و تصديرها ، والحيازة غير المبررة للمخدرات و المواد المخدرة داخل الدائرة الجمركية بدون رخصة والوساطة في ذلك والمشاركة في كل ذلك .
وذلك بالاعتماد على المنهجية الآتية :
أولا : الإطار العام لجرائم المخدرات .
ثانيا : الجواب القانوني و القضائي على جرائم المخدرات
أولا : الإطار العام لجرائم المخدرات :
إن خصوصية السياسة الجنائية المغربية لمكافحة جرائم المخدرات و المؤثرات العقلية ترتكز بالأساس على خاصية أساسية ومتميزة من خلال اعتماد السياسة الوقائية و العلاجية وصولا إلى الزجر و العقوبة ، ويشكل ظهير 21 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين منها النواة الأساسية التي يعتمد عليها لمكافحة جرائم المخدرات و المؤثرات العقلية.
1– تصنيفات المخدرات :
مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل الصحية و الاجتماعية و النفسية التي تواجه المنتظم الدولي وطبقا للإحصائيات الصادرة عن المؤسسات الصحية العالمية يوجد حوالي 800 مليون شخص عبر العالم يتعاطون المخدرات ، أما في المغرب فبلغ العدد إلى حدود سنة 2022 ما يفوق 800 ألف مواطن من غالبيتهم من الشباب وقد تم تجاوز هذا الرقم بكثير إلى حدود كتابة هذه الورقة البحثية.
المخدرات هي كل مادة طبيعية أو مستحضرة في المعامل ، من شأنها إذا استخدمت في غير (الأغراض الطبيـــــــة) أو( الصناعية الموجهة ) أن تؤدي إلى فقدان كلي أو جزئي للإدراك بصفة مؤقتة ، وهذا الفقدان الكلي أو الجزئي تكون درجته بحسب نوع المخدر وبحسب الكمية المتعاطة . كما يؤدي الاعتياد أو الإدمان بالشكل الذي يضر بالصحة الجسمية والنفسية والاجتماعية للفرد .
وعموما يمكن تقسيم المخدرات و تصنيفها بطرق مختلفة و عديدة من أبرزها :
* المخدرات الطبيعية : ( الحشيش ـ القنب الهندي ـ الماريخوانا ؛ Cannabis )
* المخدرات المصنعة : ( المورفين ؛ Morphine – الهيروين ؛ diacetylmorphine
– السيدول ـ الديوكامفين ـ الكوكايين ؛ Cocaîne )
* المخدرات التخليقية : ( عقاقير الهلوسة ؛ Psychedelics – العقاقير المنشطة و المنبهات ؛ Psychotoniques ؛ Narcotics ؛ ـ العقاقير المهدئة ؛ depressants ) .
2 – الأركان التكوينية لجرائم المخدرات :
كل عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي يعتبر جريمة تأسيسا على منطوق الفصل 110 من ق.ج .
ويحدد التشريع الجنائي أفعال الإنسان التي يعدها جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات و بتدابير وقائية ، الفصل الأول من ق .ح .
و الجريمة كمصطلح قانوني و قضائي يستلزم لقيامها وتنفيذ العقوبة توفر أركان أساسية ، ” الركن القانوني و المادي و المعنوي ” ، إلى أنه إلى جانب هذه الأركان الأساسية توجد أسس وعناصر خاصة تمتاز بها طبيعة كل جريمة لا من الناحية الموضوعية و الإجرائية ، وبالنسبة لجرائم المخدرات و المؤثرات العقلية فضرورة توفر ” ركن المخدر ” شرط أساسي لقيامها هذا الشرط يعتبر الفيصل في الإدانة أو البراءة.
1ـ الركن المادي :
إن الحديث عن الركن المادي في جرائم المخدرات ، باعتباره ركن أساسي ومحوري فيها يقتضي بطبيعة الحال ذكر صوره ، فالركن المادي في جرائم المخدرات متنوع ومن أبرز صوره مايلي :
* استيراد المخدرات وتصديرها .
* إنتاج المخدرات زراعتها و صنعتها .
* المسك بصفة غير مشروعة للمخدرات.
* تسهيل استعمال المخدرات للغير .
* نقل المخدرات .
* الإتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية.
* الوساطة في التعامل في المخدرات .
2ـ الركن المعنوي :
الجنايات و الجنح لا يعاقب عليها إلا إذا ارتكبت عمدا ، إلا أن الجنح التي ترتكب خطأ يعاقب عليها بصفة استثنائية في الحالات الخاصة التي ينص عليها القانون …؛ الفقرة الأولى من الفصل 133 ق.ج .
و الركن المعنوي في جرائم المخدرات لا يمتاز بأي خصوصية خاصة عن النية الإجرامية في سائر الأفعال المخالفة للقانون ، فجرائم المخدرات من الجرائم العمدية التي تتطلب توفر القصد الجنائي العام عند الشخص الذي في وضعية نزاع مع القانون هذا القصد يقوم على العلم اليقيني و الإرادة الحرة السليمة .
* عنصر العلم :
هو العلم اليقيني بتوفر أركان الجريمة التي يتطلبها القانون لتفريد العقوبة على فاعلها ، بمعنى أوضح أن يكون المتهم يعلم بكون المادة التي يهربها أو ينقلها أو يتاجر فيها ويتواسط فيها …؛ من المواد المخدرة الممنوعة قانونا
* عنصر الإرادة :
إن عنصر العلم وحده ليس ذو أهمية بل لا يكفي لقيام جريمة من جرائم المخدرات و المؤثرات العقلية ، بل يجب توفير شرط أساسي و مهم من العناصر المعنوية للقصد الجنائي ألا وهو عنصر الإرادة الحرة و السليمة ، أي أن يأتيها الشخص بإرادته و اختياره .
وهو مانصت عليه مقتضيات المادة 134 ق.ج ، ” لايكون مسؤولا ويجب الحكم بإعفائه من كان وقت ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه في حالة يستحيل عليه معها ، الإدراك أو الإرادة نتيجة لخلل في قواه العقلية ” .
وعلى العكس من ذلك فالفصل 205 من مدونة الجمارك و الضرائب الغير مباشرة ، تنص على أن ” المخالفة الجمركية تتكون بمجرد ارتكابها بصفة مادية دون الحاجة إلى الاعتداد بالنية الإجرامية ” ، في نفس الإطار ذهبت مقتضيات الفصل 224 من نفس القانون ، ” لايدحض القرائن القانونية في ميدان الجمارك و الضرائب غير المباشرة إلى الإثباث الدقيق لحالة القوة القاهرة ” .
وبالتالي فهناك نوع من عدم الاتفاق بين النص العام و النص الخاص ، والقاعدة ” الخاص يقيد العام ” و ” العام يؤخد على عمومه مالم يوجد نص خاص يقيده “
ثانيا : الجواب القانوني و القضائي على جرائم المخدرات .
1– الإطار القانوني :
إن الحديث عن الإطار القانوني لجرائم المخدرات متنوع بتنوع طبيعة الفعل الجرمي ، لكن لابأس من الحديث بدون إطناب وبإشارة فقط إلى المقتضيات التشريعية التي تجرم جريمة المخدرات .
* ظهير 22 دجنبر 1922 الذي صنف المخدرات ضمن المواد السامة .
* ظهير 24 أبريل 1954 ، الذي يحدد ” قنب الكيف ” ، ويحدد مشروعية زرعه بناءا على ترخيص .
* ظهير 21 ماي 1974 ، المتعلق ” بزجر الإدمان على المخدرات ووقاية المدمنين منها
* الظهير الشريف رقم 1.92.283 ، الصادر في 15 ذي القعدة 1422 ، بنشر اتفاقية مكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية “بڨيينا ” 20 دجنبر 1988 .
* الظهير الشريف رقم 1.03.53 ، الصادر في 20 محرم 1424 ( 24 مارس 2003 ) ، بتنفيذ القانون 46-02 ، المتعلق بنظام التبغ الخام و التبغ المصنع.
* القانون رقم 13ـ21 المتعلق بالإستخدامات القانونية للقنب الهندي ، الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم ، 1.21.59 بتاريخ 3 ذي الحجة 1442 ( 14 يوليوز 2021 ) .
* مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة الراجعة لإدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة ، المصادق عليها بالظهير الشريف رقم 1.77.332 ، الصادر في 25 شوال 1397 ( 19 أكتوبر 1997 )
2– إجتهادات قضائية في جريمة المخدرات :
يعتبر الإجتهاد القضائي مصدرا من مصادر التشريع ، في التشريعات الحديثة لكونه يواكب التطورات الحاصلة على مستوى تطبيق وتنفيذ القاعدة القانونية ، ومن أمثلة هاته الاجتهادات أوردها بشكل متنوع تيسيرا للباحث في جريمة المخدرات و المؤثرات العقلية.
…؛ حيث تبين للمحكمة أن الأقراص التي توبع الطنين بالإتجار فيها لاتدخل في جدول ” ب ” ، المتعلق بالمخدرات وإنما مدرجة في جدول ” أ ” ، حسب ماتبين من منجد ‘ فيدال ‘ لسنة 1976 وكذا منجد ‘ سيدام لسنة 1975 ، أضف إلى ذلك أن هذه الأقراص مأذون للظنين تناولها بواسطة الوصفة الطبية المؤرخة في 1985 / 03 / 24 ، وبالتالي يكون ركن المخدر غير متوفر في النازلة ويتعين الحكم بإلغاء القرار الاستئنافي.
(قرار محكمة الاستئناف بالبيضاء بتاريخ 1989/ 9/21 ، تحت عدد 7206/ 89/ 9768)
…؛ إن تركيز القرار بكون أقراص ” بيزيريل ، و ” أوطينال” ، لم ترد في لائحة ” ب ” ، ضمن الظهير المؤرخ في 24 ماي 1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين منها ، لا يكفي القول بأن الفعل غير ثابت ضد الظنين مادام لم تجر المحكمة بحثا دقيقا بواسطة المختبرات الخاصة في تحليل مثل تلك الأقراص ، حتى تكون على بينة من تلك المادة الأمر الذي يشكك في صحة القرار ، علما بأن كل دليل مشكوك فيه لايجوز أن يكون سندا للحكم ولو بالبراءة .
(قرار عدد 960/ 04 / 1995 ، ملف جنحي عدد 92/ 95855)
…؛ ضبط المخدرات ـ الدائرة الجمركية ـ تطبيق الفصل 279 مكرر مرتين ” نعم ” …؛ مقتضيات الفصل 279 مكرر مرتين من مدونة الجمارك و الضرائب غير المباشرة صنفت الأفعال المشكلة للجنح الجمركية من الطبقة “1” وعاقب عليها وفق الفصل الأول من القانون المذكور و المتمثلة في خرق الأحكام المتعلقة بحركية وحيازة المخدرات داخل دائرة الجمارك ، وأن إرتكاز المحكمة في قرارها المطعون فيه على الفصل 279 مكرر مرتين ، حين قضت برفض طلب إدارة الجمارك وعدم الاختصاص في المطالب المدنية رغم أن المطلوب في النقض ضبط وهو يحوز المخدرات دون ترخيص داخل الدائرة الجمركية مما يكون معه القرار قد خرق مقتضيات القانون المذكور .
(القرار عدد 9/158 – 21/01/2004 – ملف جنحي عدد 01/21518)
” لمزيد من الإجتهادات القضائية في جريمة المخدرات ، يرجى الإطلاع ، على العمل القضائي في جرائم المخدرات ، على الموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة “.
وحدة الدراسات و التوثيق ، سلسلة العمل القضائي ، العدد 4.
~ 8 ~

