شهدت بلادنا، في السنوات الأخيرة، تراجعًا ملحوظًا في تأثير بعض الفئات المهنية التي كانت تشكل صوتًا قويًا في المجتمع، مثل الصحفيين والمعلمين و مناضلي بعض الأحزاب، بمرور الوقت، أصبحت هذه الفئات أقل تأثيرًا نتيجة لعدة عوامل، من بينها السياسات العامة التي أدت إلى تبخيس دور الصحافة و الزج بالأميين و منتحلي الصفة لولوجها وضعف رجال التعليم الذين كانوا في سنوات السبعينات و الثمانينات يقودون حراك المعارضة ضد سياسات الدولة وقراراتها التي كانت تمس بالقدرة الشرائية للمواطنين، في ظل هذا المشهد، تبقى مهنة المحاماة واحدة من القوى الحية التي تحافظ على استقلاليتها ودورها الحيوي في الدفاع عن حقوق المواطنين.
لطالما كان المحامون يشكلون جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي لأي بلد، حيث يلعبون دورًا كبيرًا في حماية العدالة والدفاع عن الحقوق،ورغم الضغوط التي تواجهها بعض المؤسسات القضائية، يظل المحامون قادرين على الحفاظ على مواقفهم المستقلة وتوجيه النقد البنّاء لما يحدث من تجاوزات أخرها وقفتهم الرجولية ضد قانون المسطرة المدنية الجديد الذي تبناه وزير العدل وهبي.
وإن كانت الدولة قد نجحت إلى حد كبير في إضعاف دور الصحافة، باعتبارها صوت الناس، الشيء يُعدّ خطوة خطيرة تؤثر على الحق في المعرفة وتداول المعلومات،بعدما كان الصحفيون في السابق يقومون بدور رقابي على السلطات ويكشفون الفساد، لكن ببروز العديد من الدخلاء على المهنة في غياب قانون تنظيمي ساهم في التراجع في قيمة الإعلام و الإعلاميين مما أدى إلى انحسار هذه الوظيفة في نشر ثقافة التفاهة والسب والقذف والتشهير و ضرب القيم الأخلاقية للمجتمع فإنضافت بدورها إلى سلسلة التراجعات و الانتكاسات التي تعرفها العديد من القطاعات ببلادنا.
ومن جانب آخر، عانى رجال التعليم أيضًا من تحديات، منها تراجع جودة التعليم، وقيمة المعلم الذي كان يقام له ويقعد إبان فترة الستينات و السبعينات و اواخر الثمانينات مما أثر بشكل ملموس على واقع التعليم ببلادنا و على وعي الأجيال القادمة التي أصبحت ترى في المعلم مجرد بهلوان يعيد قراءة المقرر الدراسي.
اليوم، وللأمانة لم يبقى سوى السادة المحامون الذين يلعبون دورًا مزدوجًا؛ فهم ليسوا فقط المدافعين عن موكليهم أمام القضاء، بل يمثلون ضمير المجتمع المدافعين عن الحريات الشخصية وحقوق الإنسان حتى في وجه التحديات الكبيرة، ويشكلون قوة رادعة ضد التجاوزات القانونية،و يتحملون مسؤولية كبيرة في الدفاع عن حرية التعبير ومواجهة محاولات تقييد الحريات.
ومع أنهم الوحيدين الذين لا يزالون يتمتعون بقدر من الاستقلالية، إلا أنهم ليسوا بمنأى عن الضغوط،حيث تتنوع التحديات التي يواجهونها، من تضييق الخناق على عملهم، والزج بالالاف من الخريجين الجدد سنويا لولوج المهنة الذي يبقى أحد اخطر القرارات التي تهدد إستقرار و إستقلالية المهنة (الشيء الذي فاق حده إنقلب إلى ضده)بالإضافة إلى محاولات تسييس بعض القرارات التي يعملون عليها،كما تتزايد محاولات النيل من سمعتهم للتأثير على مصداقيتهم في المجتمع.
إن التقدير الاجتماعي للمحامين يعزز من موقفهم ويدعم قدرتهم على الاستمرار في القيام بدورهم المهم. ولذلك، من المهم أن يبقى المجتمع على وعي بأهمية المحامين ودورهم الحيوي في الدفاع عن الحقوق و الحريات، وألا يسمح بأي محاولات للتقليل من مكانتهم.
في ظل التحديات التي تواجه القوى الحية الأخرى في المجتمع، يبقى المحامون أحد الأعمدة الرئيسية التي تساهم في الحفاظ على العدالة والدفاع عن حقوق وحريات المواطنين، وبفضل إصرارهم و ترابطهم، يمكن للمجتمع أن يظل واثقًا من وجود قوة قادرة على التحدي والحفاظ على المبادئ الأساسية التي قامت عليها العدالة.