الرئيسية غير مصنف القرصنة وتجليات الحماية للملكية الفكرية

القرصنة وتجليات الحماية للملكية الفكرية

IMG 20200223 WA0069
كتبه كتب في 23 فبراير، 2020 - 5:30 مساءً


الدكتور ادريس النوازلي


استخدمت القرصنة قديما كمرادف لفعل السيطرة والاستيلاء، أي فعل مادي يخرج للواقع يتمثل في النصب والسرقة، اما في وقتنا الحاضر وبظهور الانترنيت أصبح فعل القرصنة يستخدم كتعبير عن فعل الاستيلاء والسطو على الإنتاج الفكري كانتهاك العلامة التجارية وبمعنى اخر الاعتداء على حقوق التأليف والحقوق المجاورة وبراءات الاختراع الى غير ذلك.
كما أصبح مفهوم القرصنة لا يقتصر على برامج الحاسوب بل تعداه الى المجال الحيوي مما الحقت ضرارا بالدول النامية التي تستغل من قبل شركات بدول متقدمة التي تستفيد من ثروات الأولى وتعمل على بيعها لها بثمن باهض فتكون الاستفادة للثانية على مرتين وبالمقابل ضررين بالنسبة للأولى.
يعد الدخول الى الحاسوب الوسيلة الوحيدة لاختراق، مما يجعل المعلومات في خطر دائم لان ذلك يؤدي الى إمكانية الدخول الى الأجهزة الأخرى عبر الشبكة العنكبوتية الشيء الذي نتج عنه الانفتاح على نوع جديد من الجرائم كسرقة المعلومات او ما يعرف بالقرصنة الالكترونية على اختلاف الغايات والاهداف وطبيعة المخترق.
فالقرصنة الالكترونية او المعلوماتية هي عملية اختراق لأجهزة الحاسوب تتم عبر الانترنيت ويقوم بهذا العمل شخص متمكن في برامج الحاسوب وطرق ادارتها أي مبرمج ذو مستوى عال يمكنه التعرف على محتويات الحاسوب، بهذا يكون القراصنة أنواع الهاكرز وهم الهاوون والكراكرز وهم المحترفون سواء تم بطرق زرع الفيروس، الديدان، القنبلة المعلوماتية، وحصان طروادة والفخ.
فالمخترق المحترف يعلم ما يفعل ويكون له هدف محدد بحيث يستطيع من ثغرة معينة الدخول الى ارقام الحسابات البنكية وبإجراءات يقوم بها يحول مبالغ مالية الى رصيده بالبنك خفية على اعتبار ان العلوم والتكنولوجيا أضحت تهيمن بقوة على مختلف التشريعات سواء على مستوى الشكل او الجوهر، وانصرفت الى مسالة الاثبات ألزمت المشرع خلق قوانين مواكبة، الا ان السؤال المطروح هل فعلا كانت المواكبة فعالة وفعلية؟

فكلما كان الحديث عن القرصنة الا وتم ربطها بالبحر لكن اليوم أصبحنا نتكلم عن البحر الافتراضي الا هو الانترنيت المجال الواسع الذي ليس له حدود والذي يغوص فيه مجهول، بمعنى ان ظهور القرصنة بهذا الشكل مرتبط أساسا بالحاسوب الآلي وتزداد تطورا كلما ازدادت التقنية ينتج عنه انتهاك القوانين، فالقرصنة في نظر القانون لا تقتصر على جريمة معينة مما يصعب إعطاء مصطلح يشمل جميع أنواع الجرائم من حيث وصفها مع الاعتماد على فعل الولوج كأساس سواء كان لغاية ارتكاب الجريمة او وتعديل محتويات الحاسوب.
وعلية سوف نعمل على مناقشة القرصنة التقليدية والثانية القرصنة الالكترونية.
القرصنة التقليدية
يعتبر التقليد والقرصنة مسألتين يعاني منها العالم برمته نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية إزاء حقوق الملكية الفكرية حيث تشارك الشبكات الاجرامية عن طريق الانترنيت، فالتقليد والقرصنة أصبحت اليوم يتسمان بطابع العولمة الشيء الذي سهل للجاني استغلال الثغرات التي تشوب سلسلة الامدادات التي ينفذون منها ان على المستويين القطاع العام و الخاص مما فرض على هذين الامرين ابرام شراكات لمواجهة معضلة التقليد والقرصنة على اعتبار ان الأهداف التي تتحقق بفضل صناعة مواكبة ومتطورة ومجتمع يساير ويهتم بالتكنولوجية، ولن يتحقق أيضا الا بوجود نظام جيد غايته حماية الملكية الفكرية في مواجهة السلع المقلدة والبيع عبر الشبكة الانترنيت وبالحرص على توحيد الخبرات بين الدول والعمل على التوعية وتعزيز التعاون وتحديد الاستراتيجيات القادرة على التصدي لهذه المشكلة العالمية التي تطرحها جرائم التقليد والقرصنة عبر مصالح الجمارك حماية لحق المستهلك وسلامته وبحقوق الملكية الفكرية التي هي امر محوري لما تخلفه القرصنة والتقليد من انعكاسات سلبية على الاقتصاد عن طريق التوزيع والبيع بشكل كبير اذ ليس بإمكان الانسان العادي والحسن النية وكذا الدول الأعضاء في الانتربول تحمل ترف انتظار تغير الظروف الاقتصادية للعالم وإيجاد المزيد من التحويلات الحكومية المخصصة لمكافحة التجارة غير المشروعة.(1) مضيفا رونالد ببول بالقول ” تمكنت الانتربول بفضل شراكات بين القطاعين الخاص والعام من در إيرادات إضافية وحافظت في الوقت عينه على استقلاليتها في تفكيك مجموعات الجريمة المنظمة.”

(1) – رونالد بول: الأمين العام للإنتربول، المؤتمر العالمي السابع لمكافحة التقليد والقرصنة بإسطنبول
وأفاد رئيس جمعية المدرسين المغاربة، معتبرا ان جميع أنواع القرصنة او الاختراق التي تهدف الى تخريب المعطيات الرقمية او حجب خدمات المواقع الالكترونية هي ممارسة جرمية حسب القانون الوطني والدولة وقد ترتقي الى اعمال حربية او ارهابية اذا استهدفت أنظمة معلوماتية لها علاقة بسلامة وأمنهم مضيفا قائلا و موضحا بسبب سرعة التطور في مجال التقنيات الحديثة للإعلام والتواصل و ضعف التنسيق والتعاون الدولي في الجريمة الرقمية بأن الحكومات تطبق تلك القوانين بمنطق تمييزي وانتقائي, وانه من الناحية الأخلاقية فإن القراصنة يبررون أحيانا هجماتهم بكونها نضالا من اجل الضغط على حكومات معينة او منظمات عملاقة تجارية او سياسية واجبارها على تغيير موقفها من قضية معينة، وقد يكتسب فعل القرصنة مشروعيته الأخلاقية حسب درجة أهمية القضية لكنه يبقى فعلا ممنوعا قانونيا ومرتكبه يتحمل مسؤوليته الجنائية.(2)
لكن وباستقراء للنصوص التي اتى بها ق ج المغربي سنة 2003 بخصوص نظم المعالجة الالية للمعطيات والجرائم المرتكبة في ظل هذا المعطى القانوني هل كان كافيا لسد الفراغ التشريعي وهل كان مواكبا للتطور التكنولوجي السريع؟
نرى ان التجريم اقتصر على الدخول عن طريق الاحتيال وعرقلة سير نظم والاخلال به وكذا تزييف الوثائق المعلوماتية الداخلة في الحاسوب او المستخرجة منه، الا انه لم ينظم أفعال القرصنة قانونا وتجريمها بل اكتفى بالإحالة على القانون الجنائي المغربي لحماية الملكية الفكرية بوجه عام الذي يهدف الى وضع القواعد القانونية المقررة لحماية الابداع الفكري وبالتالي فإمكانية تكييف فعل القرصنة على انه عمل اجرامي يظل مرتبطا بالأفعال المادية المرتبطة بعملية القرصنة ومخالفتها لقضايا القانون الجنائي والقوانين المتعلقة بحماية الملكية الفكرية والأدبية والصناعية والتجارية ونفس الشيء ينطبق على ما يسمى بالهاكرز.
القرصنة الالكترونية
تعد القرصنة الفكرية من المخاطر التي تهدد العالم اقتصاديا في صورة سلع مقلدة وبرامج الحاسوب التي يتم نسخها وسرقة الاسرار التجارية كم ان القرصنة لا تنحصر في العمل بين الأشخاص وانما تتعداها الى الدول فيما بينها التي تعمل على الاستحواذ على الابداعات والابتكارات العلمية والتكنولوجية وتطويرها من خلال السطو على حقوق الملكية الفكرية من الشركات والمصانع الى شركات الصناعات العسكرية ومن البنوك الى شركة البرمجيات، مما يشكل مخاوف فقدان فرص العمل لمصلحة الآلات الذكية إضافة الى مخاطر الحروب الالكترونية، كما يمكن للأجهزة ان تقدم نتائج متميزة خاصة بها استنادا
(2) – سعيد بنحلي، القرصنة في المغرب بين النضال الالكتروني والتجريم. http//www.dw.contar
.
الى بيانات يتم اعتمادها ووضعها بهدف التحليل ودعا قانونيون الى تأسيس محكمة دولية للملكية الفكرية والتجارة الدولية على ان تلعب دورا حاسما في توفير آليات موثوقة وجديرة بالثقة في تسوية المنازعات الناشئة من سلوك خاطئ للتقنيات الحديثة واستخدامها. (3)
ويرجع عدم تجهيزية التشريعان الحالية الى عدم المواكبة والتعامل مع التحولات والمتغيرات الحاصلة اليوم الشيء الذي يستدعي النقاش حول السبل الى وضع إطار قانوني لكل المجهودات الفكرية وكيفية تطبيق القوانين والأنظمة على نتائج التحولات التي يشهدها العالم وفي هذا الاطار أوضح دينيس كروز (4) بان مفهوم الثورة الصناعية الرابعة وأشار الى ان الثورة الصناعية الأولى جاءت مع اختراع المحركات البخارية والثانية مع الكهرباء والإنتاج والثالثة مع الالكترونيات والحواسيب والأثمة في حين جاءت الثورة الصناعية الرابعة مع توافر الاتصالات العالمية والرقمية وتخزين البيانات الهائلة بتكلفة منخفضة وكثافة عالية جنبا الى جنب مع مزيد من الترابط بين المستخدمين النشيطين للتقنيات الرقمية وان الأهم في الثورة الصناعية الرابعة هو توفر الأدوات والتقنيات التي تجعل من الآخر الامكانية والقدرة على صناعة الذكاء الاصطناعي،(5) بحيث لابد من إيجاد حقوق جديدة للملكية الفكرية تنشأ نتيجة للثورة الصناعية الرابعة مع البحث عن الطريقة التي يجب ادارتها لحقوق الملكية الفكرية بمعنى من يملك حتى تحمى الحقوق.
ففي ظل الابتكارات وظهور آلة الروبوت كتقنية ذو حدين الا انها تعتبر تقنية هدامة كونها تشارك في عدة مجالات مرتبطة بحقوق الملكية الفكرية، فالروبوت يتعامل مع براءات الاختراع والاسرار التجارية وحقوق التأليف والنشر حسب برامج الحاسوب المتواجدة داخل الآلة الالكترونية، كما هو الحال بالنسبة لقرصنة الأفلام وتسجيل الموسيقى التي تعرف قرصنة هائلة المخاطر الكترونيا لغياب الرقابة الفعلية للأنترنيت. وقد ساهم المفكرون والقانونيون في تعزيز القرصنة والتشجيع عليها بصفة مباشرة حينما يرون في اصدار قانون يحد من التعدي على الملكية الفكرية للملكية الصناعية او حقوق المؤلف احتكارا وتقييدا للإبداع، فالخسائر التي تكبدها المنتجون والفنانون قد أثر على مستوى عيشهم خاصة في الدول التي تعتمد على السينما كمصدر للدخل كمصر والهند مثلا بحيث يتم شراء الفيلم الأصلي والعمل على نسخه من خلال المواقع الالكترونية. ولا تقتصر القرصنة على أفلام السينما وانما تتعداها الى
(3) – إيهاب علي الثواب، http.//annabaa.org/arabic/economic-reports/10059
(4) – مدير مكتب المنظمة العالمية للملكية الفكرية بسنغافورة عن إيهاب علي الثواب، م س
(5) – وتشمل هده التقنيات الانترنيت والروبوتات والذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الابعاد والواقع الافتراضي والبيانات الضخمة …. واظهرت المناقشات ان التعريف الدقيق لماهية الذكاء الاصطناعي ظل فضفاضا على مدى ثلاثة أيام لكن عموما اظهر اجماع عام على ان الذكاء الاصطناعي ليس رجلا ولا الة بل علامة تكاملية بين الانسان والالة تقوم بموجبها الآلات
قرصنة البرمجيات كالشركات التي تقوم بتثبيت برامج غيرها مجانا دون ان يكلف المستخدم عناء نفسه شراء البرمجيات من الشركة الأصل صاحبة البرمجيات الخاصة بجهاز الجاني قبل ان يحدث ثورة رقمية من خلال DVD-CD والقرصنة الالكترونية و قرصنة الموسيقى وهو ما اصبح تداولا على المستوى العالمي عموما والعالم العربي خصوصا عبر ملفات mp3 الرقمية التي قبلت موازين تبادل الصوتية عبر الانترنيت الشيء جعل الفنانون يلجؤون الى شركات ذات حماية وبأسعار مناسبة لتسجيل محتواهم الفني تفاديا لكل قرصنة الكترونية محتملة، كما ينتج موقع يوتوب فرصة كبيرة للفنانين ويسعون الى رفع نسبة المشاهدة عبر فيديو كليب لجني الأموال الطائلة.
ولم تسلم الكتب من القرصنة الكترونيا، بحيث فشلت دور النشر من تطويع التكنولوجيا لخدمة صناعتهم الورقية مما عرضتهم القرصنة الى الإفلاس والاغلاق بسبب تزوير والنسخ للكتب الاصلية والبيع بأقل ثمن، وقد يخرج للوجود الكتاب المقرصن الى العموم قبل الكتاب الأصلي او على الأقل بيوم واحد من إصداره. فقرصنة القنوات الفضائية خاصة في المجال الرياضي ومرد هذا الى الاحتكارية وعنه صدرت فتوى علماء الازهر الى فك شفرة الجزيرة لمشاهدة المنتخب المصري خلال بطولة كاس افريقيا للأمم 2010 الشيء الذي يبين مدى تأثير العلم التكنولوجي على المسار الأخلاقي والقانوني، بحيث وان تم تغيير الشفرة يتم حلها سريعا على اعتبار ان المقرصنين كالشركات لها زبائن وتلزم بتقديم الخدمة التي تتقاضى عنها ثمن سنوي وكأننا نعيش قرصنة مهيكلة بشكل غير قانوني.
فخطورة القرصنة الالكترونية تتمثل في انها سرقة أي سرقة برمجيات سرقة اعمال إيداع ابتكار بدون جهد او عناء وايصاله الى العموم أيضا بثمن بخس دون عناء او بحث وضياع الحقوق والربح العادل لا تفرق بين من يجتهد ويبتكر وينكر وبين من يتبنى ذلك المجهود.
وفي هذا الصدد ترى تشوكاني جيرك من منظمة ويبو قائلة: “ان قوانين الملكية الفكرية تأتي دائما عقب ظهور تقنيات الملكية الفكرية فلا أحد يحسن القوانين قبل التقنيات مقترحة ان التقنيات والتقنيات غير المغطاة بالقوانين والأنظمة قد تضر المجتمع أكثر ما تنفعه مع طرح السؤال من يكون مسؤولا عندما تثبت الآلة التي تتمتع باستقلال ذاتي في أداء عملها في وقوع الحادث والى أي مدى يمكن لطبيب او محام ان ينيط تقرير مهامه لجهاز ذكي دون تعريض نفسه للمسؤولية عن سوء تصرف لهذه الآلة الذكية مع إمكانية فيروس ما أن يسبب في لخبطة وارباك الأمور وتؤدي الى سوء الفهم مع العلم ان البيانات المضمنة بأنظمة الذكاء الاصطناعي فان تلك الأفكار الخارجة منها وبواسطتها
بزيادة ما يمكن ان يفعله الانسان من ناحية السرقة والكفاءة والدقة. الذكاء الاصطناعي ليس رجلا ولا الة بل علامة تكاملية بين الانسان والالة تقوم بموجبها الآلات بزيادة ما يمكن ان يفعله الانسان من ناحية السرقة والكفاءة والدقة.
تكون ملكا لصاحب الآلة، لكن يجب الاطلاع على كيفية تدريب النظام المعرفي حتى تعم الثقة بهذه الأنظمة و لا يواجه أصحاب الحقوق لملكية فكرية لصعوبة إنفاذ القوانين بل الضغط لنقلها لشركات في بعض الدول من خلال السياسات التي تنهجها بعض الحكومات، لما في ذلك الاسرار التجارية، الشيء الذي يستدعي اتباع سياسة تؤمن لها الحماية في مجال التقنية للمعلومات والاتصالات التي تحقق الأمان لخاصية الابتكارات مع فرض القيود على مستوى الاستثمار وتصدير المنتوجات وتحصين الخدمات المتصلة بالإنترنيت في ظل المنافسة المشروعة، ان التعدي على العلامات التجارية لازال يعرف تزايد مستمرا وتحسين التدابير لحماية حقوق التأليف والنشر على شبكة الانترنيت والعمل على اتخاذ تدابير انفاذ قوانين التجريم الجنائي على اعتبار ان الهيمنة العنيفة للعلوم والتكنولوجيا على مختلف التشريعات، ولا يفلت من هذا الاكتساح لا جوهر و لا شكل ولا اثبات بحيث يجوز القول حاليا بان العلوم والتكنولوجيا أصبحت قوة او طاقة ان لم نقل مصدرا لإفراز او خلق او توليد للقانون.(6)

(6) محمد الادريسي العلمي المشيشي، لهث القانون وراء تهافت العلم والتكنولوجيا، مقال منشور بمجلة الحقوق، السنة التاسعة، عدد 16-17 دار الافاق المغربية للنشر والتوزيع، ص 53.

مشاركة