بقلم عزيز بنحريميدة
أُصيب الأستاذ عبد العتاق فكير، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بطنجة، بجلطة دماغية ألزمته الفراش بعد خضوعه لعملية جراحية دقيقة، في مشهد مؤلم لواحد من أبرز رموز القضاء الإداري النزيه والمقتدر ببلادنا. لم يكن هذا الخبر مجرد حالة صحية عابرة، بل صفعة موجعة لأسرة العدالة برمتها، ومحطة حزينة لكل من عرف هذا الرجل المتفاني في صمت، الشامخ في تواضعه، الصارم في ضميره المهني، واللين في تعامله الإنساني.
فالقاضي عبد العتاق فكير، الذي أحبّه المتقاضون قبل أن يحبّه زملاؤه القضاة والمشتغلون في ساحة القضاء من محامين وكتاب ضبط، لم يكن مجرد مسؤول قضائي يوقّع الملفات من خلف مكتبه، بل كان حاضرا في الميدان، قريبا من نبض المواطن، منكبّا على خدمة العدالة دون كلل، حتى استنزف المرض جسده ولم ينل من روحه العالية وإرادته الراسخة في إحقاق الحق ونصرة المظلوم.
عُرف فكير بتواضعه اللافت، بابه مفتوح وهموم المواطنين نصب عينيه، لا يُشغله منصبه عن همّ المتقاضين، ولا يُلهيه البروتوكول عن تفاصيل ملفات ينتظر أصحابها عدلا منصفا. ولعل هذا الالتصاق بهموم الناس وتحمّل ضغوط الملفات المتراكمة، والعمل اليومي المضني لتسيير محكمة الاستئناف الإدارية بفعالية وهدوء، كان سببا في متاعبه الصحية، حيث ظل لسنوات يحمل على عاتقه همّ العدالة ويُغلب المصلحة الفضلى للوطن والمواطن على راحته الشخصية.
لم يكن القاضي فكير من أولئك الذين يسعون إلى الأضواء، بل من طينة القضاة الذين يصنعون الفارق من خلف الستار، بقيمهم، بصدقهم، وبإيمانهم العميق برسالة القضاء كملاذ أخير للعدل والمساواة. ورغم ما يقتضيه الموقع من هيبة، ظل بسيطا في تعامله، مرفوعا في احترامه، عظيما في أخلاقه.
اليوم، ونحن نترقب بشغف تحسن حالته الصحية، لا يسعنا إلا أن نرفع أكف الدعاء لهذا الرجل الصادق، وأن نستلهم من مسيرته الدرس الأبلغ: أن النزاهة قد تُرهق الجسد، لكنّها تخلّد صاحبها في ضمير الأمة. فسلامٌ على القاضي عبد العتاق فكير، رمز العدالة الصامتة، وضمير المهنة المستقيم.

