الفلسفة والشعر تجمع الكبار بتيفلت

نشر في: آخر تحديث:

صوت العدالة – عبد السلام اسريفي/ حليم السعيدي/ رشيد غيتان/ عادل العلوي

نظمت جمعية “بديل’ للثقافة والتنمية مساء اليوم الجمعة 5 أبريل 2019،بدار الشباب 9 يوليوز ندوة فكرية متميزة تحت عنوان: ” الفلسفة والشعر: التماس والتباعد، من تأطير الدكاترة: صلاح بوسريف، ادريس كثير، يحيى بن الوليد،وتكلف الدكتور محمد رمصيص رئيس الجمعية بالتسيير.

في بداية الندوة، قدم رئيس الجمعية الدكتور محمد رمصيص، ورقة مفصلة عن الأهداف التي كانت وراء هذا التأسيس، معتبرا أن المدينة في حاجة ماسة الى رؤية جديدة وغطاء جديد للفعل الثقافي،يخلصنا من تهميش المركز، ويمكنا من أدوات جديدة كفيلة بتقديم الاضافة المطلوبة.

مضيفا في السياق ذاته،أن الجمعية جاءت وهي تحمل معها أفكارا و مشاريع ثقافية جديدة، للخروج بالنشاط الثقافي من طابعه الكلاسيكي، و الحرص على تقديم أنشطة متنوعة و مشاريع جد هامة للنهوض بالفعل الثقافي والتنموي محليا ولما لا وطنيا، مؤكدا أن البرنامج سيكون متكاملا و هادفا،  ويعد بالتنسيق مع مختلف الهيئات، والمتدخلين المحليين، و اللذين يعتبرون اللبنة الأولى لاحتضان المشاريع الثقافية الحقيقية.

وفي تدخله، قال صلاح بوسريف، دائما ما ينظر إلي العلاقة بين الشعر و الفلسفة علي أنها علاقة تصادم و تناقض و جذب ، و ليس علاقة توافق و انسجام و ربما يكون السبب في هذا الانطباع هو اختلاف طبيعة كل من الفلسفة و الشعر ، فطبيعة الفلسفة قائمة علي التفكير المجرد و البراهين العقلية ، أما الشعر فيعتمد علي الخيال و مخاطبة الروح لذا يبدو من الوهلة الاولي البون شاسع بينهما و لا وجود لعلاقة بينهما ، و هذا واضح علي مر التاريخ . لكن بنظرة فاحصة و موضوعية شديدة نري أن هناك خيط رفيع بينهما في العلاقة رغم المقولة الشهيرة التي تقول ان موت الفلسفة يلازمه موت الشعر.

مضيفا، أن هناك علاقة تجاذب وتكامل بين الفلسفة والشعر، وربما الشعر هو من صنع الفلسفة ووضع لها اللبنات الأولى حتى تطرح أسئلتها حول الوجود والإنسان بشكل خاص.

فيما ركز الدكتور يحيى بن الوليد على نوع العلاقة التي تربط الفلسفة بالشعر، وحول نوع الأسئلة التي يتم التعامل معها، خاصة فيما يتعلق بالوجود والكون والانسان بشكل عام، مضيفا اأن هناك جانبان في الطبيعة البشرية الشعر يخاطب جانب العاطفة و الروح و الوجدانات ، و الفلسفة تخاطب العقل و التفكير ، و لا غني عنهما في بناء الطبيعة البشرية. و يوجد عدد كبير من الفلاسفة و المفكرين الذين يوكدون علي وجود هذه العلاقة الوطيدة أو بمعني أدق علي وجود الخيط الرفيع بين الشعر و العقل ، فالفلسفة في أحد تعريفاتها هي محاولة لمعرفة الروح .

ونتقاسم هذا المنطق مع الدكتور بن الوليد ، ونقول أن الفيلسوف ينتمي الي مملكة الشعر اكثر من انتمائه إلي أي شخص أخر ، اليس الشعر هو محاولة لمعرفة الروح. و لا يقف الامر عند حد التعريف فقط ، بل يبدو ان للفلسفة و الشعر منبعا واحدا. فافلاطون نفسه يقول ان منبع الفلسفة هو الدهشة ، و يقول أرسطو أن الدهشة التي اعترت منبعها هي الفلسفة التي أخذت من الشعر قيم التكامل وأدوات التحليل والتناقض.

وأبحر الدكتور ادريس كثير في بحث دقيق عن نقط الالتقاء ونقط الاختلاف بين الشعر والفلسفة، دون أن يشير الى عناصر قوة كل طرف على حدة، فحسب منطقه الخاص، الفلسفة تنتج لنا أسئلة تنتهي غالبا عند الشعر، الذي ينتج قيم بديلة قد تؤرخ لحقبة تاريخية معينة.

مضيفا في ذات الموضوع أن الشاعر هو فيلسوف علي نحو ضمني،فالفلسفة و الشعر هما خطابان معرفيان ليس من السهل فصلهما . و ليس اهتمام الفلسفة بالشعر بالشي الجديد بل يمكن القول أنها المجال الذي ترعرعت فيه نظرياته الكبري و الحقل الذي يتامل فيه ذاته و يتعقلها بوصفها ممارسة انسانية دالة علي نشاطه العقلي و الوجداني. بالتالي يوجد خيط و لو رفيع يجمع بين الشعر و الفلسفة في مركب واحد رغم تباين طبعتهما و اختلافهما ، لكن كل من الشعر و الفلسفة يخاطب مجال في الطبيعة البشرية و يعمل علي تطورها ، الشعر يخاطب الوجدان و الروح ، و الفلسفة تخاطب العقل و التفكير و كلا المجالين يوجدان في الانسان و لا يمكن الفصل بينهما. 

ومن منظورنا الخاص، نقول ما قاله الفيلسوف الالماني كارل ياسبرز أن من طبيعة الفلسفة ذاتها أنها لابد ان تستغني في اي شكل من أشكالها عن الاعتراف بها اعترافا يعتمد عليه الاجماع ،وتبني الاختلاف للوصول الى عناصر التلاقي والقوة . وكان أرسطو هو أول من انتبه إلي الخيط الرفيع و العلاقة بين الفلسفة و الشعر بقوله أن الشعر اكثر تفلسفا من التاريخ.

وتفاعل الجمهور الذي حضر الندوة بما قدمه الدكاترة من أفكار ومعطيات، حيث اعتبرت بعض المداخلات أن هناك عناصر تفرقة بين الفلسفة والشعر،لكل أدواته ومنطقه ومناخه الخاص،حيث قال الأستاذ حميد شوقي ” فإذا كان الفيلسوف يصنع لغة شمولية كلية قائمة على العبارة العمومية المجردة ، أو ما يسمى بالمفاهيم ، فالشاعر يفجر الكلمة ليجعل الصورة تسيل ماء ينقذ التصور من جفافه الاستدلالي المنطقي .إن الشاعر شخص مشاغب ، يحمل طفلا في أعماقه ، يريد ملامسة الأشياء واحتضان الجزئيات والتفاصيل كما يتمثلها بواسطة وجدانه وحدوسه الأولية ، وهو ينزل ليمشي فوق طمي الحياة ، دون افتراضات مسبقة أو توجسات أو احترازات . أما الفيلسوف فهو يترفع فوق طمي الحياة التي ينظر إليها مثل أفلاطون كعالم حسي زائف يشبه كهفا مظلما ، ليسكن عالما بريئا من المادة ومخالطة الحسيات ، وهو العالم الذي يسميه أفلاطون بالعالم المثالي ” فيما ركز آخرون على وجود تكامل ما بين الفلسفة والشعر، فحيث ينتهي الشعر تبدأ الفلسفة ينهي بعض المتدخلين.

في رد الضيوف على المداخلات، اعتبر الدكاترة أن الفسلفة والشعر يتواجدان في منطقة واحدة، ويسيران على جسر واحد، هناك تكامل واضح بين الأسئلة الكونية والصور المحلية، فلا وجود للتنافر رغم اختلاف الأساليب والأدوات،فمهما ظهر من اختلاف ومساحات ، هناك ارتباط وثيق بين الشاعر والفيلسوف، فمتى انطلق الشاعر في تأريخ حضارة ما، تجد الفيلسوف يصنع لها تمثالا من القيم .

والحقيقة أن للكثير من الفلاسفة علاقة مباشرة بالشعر ونضرب هنا مثلا أسقطه الكاتب رغم الإشارات الخفية وهو الفيلسوف الكبير كارل ماركس الذي طرق باب الشعر باكرا، وكانت له تجارب مع نظم الشعر لم تلق حظا من الرواج، لكن ماركس الذي عدل عن فكرة نظم الشعر رافقته فيما يبدو الشاعرية في أعماله ومقولاته الفلسفية وكثيرون كانوا يرون في البيان الشيوعي وأعمال ماركس الباكرة قصيدة تحفل بالأحلام المستحيلة في تغيير العالم، وعندما أراد الفيلسوف الكبير جاك دريدا إعادة الاعتبار لماركس ضد أفكار أعلنت عن موته وروجت ل«نهاية التاريخ» حشد دريدا في «بيان الأطياف» صورا شعرية مستدعيا وليم شكسبير وشبح هاملت عاقداً مقارنة بين الطيفين، طيف هاملت وطيف ماركس المستوحى من مقولته هناك شبح يجول في أوروبا – هو شبح الشيوعية. وقد اتحدت قوى أوروبا العجوز في حلف مقدس لملاحقته والتضييق عليه؛ من البابا والقيصر إلى مترنيخ وغيزو، ومن الراديكاليين في فرنسا إلى رجال الشرطة في ألمانيا.«وفي جملة شاعرية يقول دريدا بأنه مسكون بأشباح ذلك الفيلسوف.

في نهاية هذا الندوة الافتتاحية، وزعت شهادات تقديرية على الدكاترة المشاركين،حيث عبر رئيس الجمعية عن سعادته باستضافة الكبار من الشعراء والنقاد والفلاسفة في أول عمل ، ضاربا موعدا للجمهور في نشاط آخر.


اقرأ أيضاً: