بقلم عزيز بنحريميدة – صوت العدالة-
ما ألمني و ألام كل غيور على مصلحة الدولة والمجتمع ما طارت به وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية،حول حادثة ـ (الاعتداء على قاضي وفرار الجاني) ومالها لها من إنعكاسات سلبية على السادة القضاة و هيبتهم، بعدما تعرض الأستاذ (ن و) المستشار لدى محكمة الاستئناف بوارززات لإعتداء خطير عجل بدخوله إلى مستعجلات أسفي في حالة حرجة والتي لولا الالطاف الإلاهية لكان اليوم في عداد الموتى .
فالكل يعلم أن كلَّ دول العالم وحضاراته في القديم والحديث تهتم بقضاتها وتعلي شأنه وتصونه عما يدنسه أو يسيء إليه، وتُجرّم ذلك، وهذا لا يعني أن القضاء مقدس ومعصوم، لكن السكوت عن هكذا جرائم و إعتداءات سيزيد لا محالة من إرهاب القضاة وبخس حقوقهم، والتجني على هيبة القضاء وزعزعتها، وسيسهم في قتل الروح المعنوية للقاضي وبث روح الشك وسلب الثقة وقرع القوارع فوق رؤوس القضاة، بل بالتأييد لهم وحمل العامة والخاصة على الإنتقاص من هيبتهم .
إن القاضي حين يعاني ضغوط الغربة، ويحتمل صنوف الأذى، ما بين جهل الجاهل، وحمق الأحمق، وفظاظة الفظِّ. وحين يجد نفسه يواجه سيلا غير متناهٍ من القضايا المتنوعة التي تنطوي على صنوف المشكلات والنزاعات، وينظر في الوجه القبيح للحياة، ما بين خيانات العهود، ونكث العقود، وقبائح الجرائم والمعاصي، وحين يسمع أقذع الكلمات، وأحط َّ الاتهامات بين زوج وزوجته، أو بين شريك وشريكه، أو بين أب وابنه، أو غير ذلك، ومع كل هذه الشناعات لا يجد بداً من أن يفصل فيها بحكم قضائي يتوخى فيه إنصاف المظلوم وتحقيق العدالة المنشودة، ويطفئ لهيب الخصومات، ويساعد على مكافحة الفساد، وحماية أمن المجتمع ودينه وعقيدته وأخلاقه.
حين يواجه القاضي كل هذه الآلام؛ ما المقابل الذي يجنيه من ذلك في نظرك؟ هل تراه يحتمل كل هذه الآلام لأجل المال؟ إن قلت نعم!!! فأنت مخطئ لأن العديد من السادة القضاة الذين تركوا كرسي القضاء، إنما تركوه لأسباب أحدها السعي إلى مستوى معيشي أفضل، أضف إلى هذا أن القاضي ليس له بدل سكن ولا تأمين طبي ولا أي ميزة يحصل عليها كثير من موظفي القطاعات الحكومية والخاصة ممن هم أقل منهم شأناً وخطراً وأهمية. وليت الأمر يقف عند هذا الحد؛ بل يعاني القاضي سياط رقابة المجتمع التي تجعل من المحرم عليه أن يعيش كغيره من الناس، يمارس المباحات وينطلق في الحياة ، فلو رآه أحد يمارس الرياضة في ميدان عام لسخر به وانتقصه وكأنه ملَك من الملائكة لا ينبغي له أن يأكل الطعام ويمشي في الأسواق! إن حماية القضاء وصيانته من أي فساد أو تقصير، وحمل القضاة على القيام بأعبائهم المنوطة بهم في تحقيق العدل ونصرة المظلوم وفصل الخصومات، يقتضي أن يتم إغناؤهم عما في أيدي الناس، وقضاء حوائجهم الضرورية التي لا يستغني عنها إنسان عادي لا أن يتم الاعتداء عليهم و الإنتقام منهم و اعتبار الأمر جريمة كباقي الجرائم اليومية فإذا ضاعت هيبة القضاة فلنكن على يقين أن الدولة ستبدأ في الانهيار فلا يمكن أن تستقيم العدالة وتتحقق و ممثلوها يعانون في صمت .
عزيز بنحريميدة