الأمن الأسري ومتطلبات تغيير النص القانوني

نشر في: آخر تحديث:

الأستاذ شريف الغيام

مستشار بمحكمة الاستئناف بالحسيمة/ أستاذ زائر بكلية الحقوق تطوان

يعد الأمن القانوني من أهم المبادئ المعاصرة التي تروم إضفاء قدر أكبر من الحماية للأفراد والجماعات، وذلك بجعلهم في مأمن من أي اعتداء أو تقصير قد ينشأ بمناسبة سلوك وتصرفات ضارة أو مهددة للمراكز القانونية الناشئة باسم القانون . بيد أن إضفاء صبغة آمنة للنص القانوني يجعل منه محصنا بقدر كبير في مواجهة المتغيرات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السوسيوقانونية…أو غيرها.

ولتوفير هذه المعيارية في صفات النص القانوني، كان لزاما جعل مراجعته بشكل دوري أمرا ضروريا، مما سيشكل لا محالة قيمة مضافة لتأمين الحقوق والحريات بغض النظر عن وقوع أي تطورات أو تغييرات في النسيج الاجتماعي أيا كان نوعه أو طبيعته.
وبما أن قضايا الأسرة تشكل بطبيعتها قضايا حيوية أي أنها ذات طبيعة اجتماعية بامتياز، لأنها تكفل تنظيم العلاقات الأسرية بجميع أصنافها وبين كل مكوناتها، فإن مفهوم الأمن الأسري يشكل مفهوما ازدواجيا ذو طبيعة خاصة، يجمع بين صفة مستلزمة أضحت ضرورة في كل نص قانوني كيفما كان، وبين طبيعة النص المراد إضفاؤه عليه .
فغير خفي عن البيان أن مدونة الأسرة شكلت انتصارا تشريعيا حقيقيا للنهوض بمكونات الأسرة، في إطار مرجعي يوازن بين المرجعيات الكونية الخاصة بحقوق الإنسان، المتمثلة في تجسيد حمائي يقوم على حفظ قيم المساواة والإنصاف بين الرجل والمرأة وحماية الأطفال، وبين خصوصية شرعية تنهل من قيم الدين الإسلامي الحنيف وضرورات الاجتهاد القائم على مراعاة البعد المقاصدي في حماية المصالح الأسرية.
إلا أن هذا الانتصار التشريعي المتوج بصدور قانون 70.03 بمثابة مدونة للأسرة بموجب الظهير الشريف رقم 1.04.22 بتاريخ 12 ذي الحجة 1424 الموافق ل 03 فبراير2004 ، لا يعني تحصينه من إمكانية المراجعة والتعديل كلما اقتضت المصلحة ذلك، على اعتبار أن النصوص الأسرية متسقة بالواقع المعاش، الذي يفرض بحكم طبيعتها جعل مراجعتها مواكبة لتطورات المراكز القانونية لمكونات الأسرة وتطور واقعها.
ولا أدل على ذلك أن كرونولوجية المقتضيات التشريعية للأسرة المغربية، شهدت منذ أول صدور لها تعديلات متعددة في كل مرة على حدى، أي منذ صدور مدونة الأحوال الشخصية بتاريخ 19 غشت1957 ، مرورا بتعديلات 10شتنبر1993 ، وصولا لمدونة الأسرة المشار إليها سالفا بتاريخ 03 فبراير2004 .
فإذا كانت هاته التعديلات تشكل مرآة عاكسة لمدى الاهتمام البالغ بقضايا الأسرة وأحوالها، فـإن ذلك انعكس إيجابا على مستوى دستور المملكة لسنة 2011 في مادته 32 التي نصت على ما يلي: “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع.
تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.
تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية.
التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة و الدولة.
يحدث مجلس استشاري للأسرة والطفولة.”
مما شكل دفعة قوية في باب العناية بمقومات الأسرة كمكون أساسي للمجتمع، وفق قواعد الشرع المنظم بالقانون، لذلك كان لزاما فرض نوع من الملاءمة بين مستجدات دستور 2011 الذي أسس لمفهوم جديد وشامل للحماية الأسرية، وبين مدونة الأسرة لسنة2004 ، والتي جاءت سابقة لتاريخ صدوره.
بيد أنه كان من المفترض حينها العمل على الانكباب على دراسة تهم مراجعة النصوص الأسرية بما يكفل مطابقة مقتضياتها مع المستجدات الأسرية ذات الصلة، إلا أن المدة الفاصلة بين تاريخ صدور مدونة الأسرة المغربية ودستور المملكة لم تكن كافية، بل كان الأمر يحتاج لنوع من التأني في الدعوة لمراجعة بنودها، وهو الأمر الذي تمت ترجمته بموجب الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه لعرش أسلافه الميامين، والذي أكد فيه جلالته بصراحة بعدم كفاية مدونة الأسرة للنهوض بالأهداف المرجوة منها، داعيا في نفس الوقت لمراجعة بعض بنودها إن اقتضى الحال بقول جلالته” : وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية، لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها.

ومن بينها عدم تطبيقها الصحيح، لأسباب سوسيولوجية متعددة، لاسيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، مازالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء.
والواقع أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة، وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال.
لذا، نشدد على ضرورة التزام الجميع، بالتطبيق الصحيح والكامل، لمقتضياتها القانونية.
كما يتعين تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك.
وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.
ومن هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.
وفي نفس الإطار، ندعو للعمل على تعميم محاكم الأسرة، على كل المناطق، وتمكينها من الموارد البشرية المؤهلة، ومن الوسائل المادية، الكفيلة بأداء مهامها على الوجه المطلوب.
وعلى الجميع أن يفهم، أن تمكين المرأة من حقوقها، لا يعني أنه سيكون على حساب الرجل، ولا يعني كذلك أنه سيكون على حساب المرأة….”
انتهى الخطاب الملكي السامي .
لذلك نجد على أن منطلقات الأمن الأسري لا تبتعد عن مرجعيتي الدستور والخطاب الملكي السامي المشار إليه،إن لم نقل أن الامر أضحى يتطلق مقاربة إزدواجية للمرجعية التشريعية لمدونة الاسرة
مما يستوجب وضع مرتكزات واضحة لخارطة طريق آمنة لحفظ مقومات الأسرة المغربية ومراجعتها بمنظور استشرافي بامتياز، والتي تستوجب الوقوف على النقاط القانونية المستلزمة للتعديل وحسن التنزيل
والتي يمكن الوقوف عليها من خلال ثلاث مرتكزات أساسية و دلك على الشكل التالي :

أولا: المرتكز المؤسساتـــــــــــــي
لطالما شكلت المؤسسات المتدخلة في قضايا الاسرة نقطة تحول في المنظومة التشريعية الأسرية لما تلعبه هاته الأخيرة من أدوار فعالة أحدهما يكمل الأخر بالنظر لتنورع القضايا المشمولة بتطبيق مدونة الأسرة لدلك كان لزاما تسليط الضوء على مختلف هاته المؤسسات الضامنة للتطبيق السليم للقانون و إيجاد وعاء هيكلي متين يتأتى معه ضمان تفعيله بالشكل الإيجابي المراد لكل نص على حدى
ومن منطلق أن لا نفاد لنص قانوني دون إطار مؤسساتي يحتويه يجعلنا لا محالة أمام خيارات لا محيد عنها إما لتقوية أدوار مؤسسات قائمة أصلا داخل مدونة الأسرة أو الدعوة لخلق مؤسسات أخرى بديلة تعزيزا و ضمانة أكبر لكل أطراف و مكونات الاسرة و هي كالتالي :
أ- تقوية أدوار النيابة العامة في قضايا الأسرة وتوسيعها، بجعل تدخلها تلقائي بقوة القانون لحماية المصالح الفضلى للأسرة، باعتبارها المكون الأساسي للمجتمع والأطفال والمرأة لضمان مقومات التطبيق المنصف للقانون لكل طرف على حدى بجميع مراحل نشوء الدعاوي، أو حتى القيام بالإجراءات القانونية ذات الطابع الحمائي لتفادي تلاشي أو انفصام الزوجية، سواء في مرحلة إبرام عقد الزواج أو أثنائه أو عند وقوع انفصامه، و حتى آثاره بضمان تنفيذ أحكامها سيما في الجانب المتمثل في تمكينها كطرف في الدعاوي الأسرية الى جانب باقي الأطراف
مع إصباغ أحقيتها في التقدم حتى بالطعون كلما تبين لها إهدار حق طرف عن الأخر أو إغفال سيما في بعدها الحمائي للنهوض بالمصالح الفضلى للمراكز القانونية كالقاصرين أو المرأة بل حتى لفائدة الرجل إدا كان متضررا .

ب- تعميم محاكم الأسرة بجميع الدوائر القضائية استجابة للدعوة الملكية السامية في خطاب جلالته الأخير بمناسبة ذكرى عيد العرش المجيد المشار إليه أعلاه،
مع جعل من هاته المحاكم أو أقسام قضاء الأسرة على الدرجتين، وعدم الاكتفاء بجعل أقسام قضاء الأسرة بمحاكم الدرجة الاولى فقط، أي المحاكم الابتدائية دون محاكم الاستئناف .

ت- جعل التخصص في قضايا الأسرة من مستلزمات مكونات العدالة الأسرية، سواء تعلق الأمر بالقضاة أو بجميع مساعدي العدالة، أو كل من أسند له القانون أحقية التدخل في هذا النوع من القضايا.

ث -تقوية دور الدفاع في قضايا الأسرة بجعل المساعدة القضائية من مستلزمات إقامة الدعوى ومباشرتها وخاصة في حالة العسر أو غيره .

ج -خلق مؤسسات بديلة للصلح والوساطة وتمكينها من القيام بأدوارها بالقضايا الأسرية.

ح- تمكين المساعدين الاجتماعين من التدخل في قضايا الأسرة وتوفير الوسائل الكفيلة بقيام أدوارهم المبنية على المواكبة والتوجيه كجهاز مساعد لقاضي الأسرة في القضايا المتعلقة الأسرية بما يكفل حماية مكونات الأسرة مع مراعاة مصالح الأبناء.

خ -تفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة .
د- تمكين جمعيات المجتمع المدني ذات الاهتمام بقضايا الأسرة أو المرأة والطفل من التدخل في قضايا الأسرة والدفاع، والترافع عن المصالح المحمية قانونا لمكونات الأسرة المغربية وهويتها.

ثانيا: المرتكز التشريعــــي

إدا كانت المؤسسات بحكم طبيعتها تلعب دورا مهما في توفير وعاء لتطبيق النصوص فإن جودة هاته النصوص و نجاعتها هي الأخرى لا يمكن إغفالها بأي شكل من الاشكال لما تشكل من قيمة قانونية محظة عاكسة لمدى الاهتمام البالغ بخصوصية قضايا الأسرة في أبعادها المقاصدية الخاصة المبنية تارة على التيسير و تارة على الحزم لتلافي كل ما من شأن أن يحيد عن أهدافها
لدلك فإن تطوير النص الأسري وعصرنته يظل أمرا حاضرا بقوة في جميع محطات الاسرة إن لم نقل أنه أمر محمود بغاية التعديل و محمول بغاية إحاطته بعناية ترقى به من مستوى النص الجامد الى النص الفعال وهو ما سنحاول الإحاطة ببعض جوانبه و دلك من خلال ما يلي :

أ- على مستوى مسطرة الزواج :

  1. تبسيط مسطرة زواج المغاربة المقيمين بالخارج سيما المختلط منه.
  2. إعادة النظر في المقتضيات القانونية المتعلقة بتنظيم مسطرة زواج القاصر.
  3. إتاحة إمكانية الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة طيلة فترة الزوجي، وليس الاكتفاء بإشعار العدلين بها أثناء إبرام عقد الزواج.
  4. جعل الاتفاقات المالية الناشئة بمناسبة زواج القاصر المبرمة بين زوجين قاصرين أو أحدهما قاصرا تحت مراقبة القضاء.
    ب- على مستوى مسطرة التعدد
  5. تنظيم مسطرة التعدد المزمع سلوكها بالنسبة للمغاربة المتواجدين بالخارج، وخاصة بالدول العربية الشقيقة أو غيرها، إما أمام قنصليات بلد الإقامة أو حتى التي يكون طرفا فيها قاصر.
  6. إلغاء مسطرة التطليق التلقائي للشقاق في حالة رفض الزوجة المراد التزوج عليها وإصرارها على ذلك المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 45 من مدونة الأسرة.
    ت- على مستوى الحقوق و الواجبات بين الزوجين والأطفال
  7. توسيع دائرة الحقوق والواجبات المتبادلة بما يكفل تكريس مبادئ العدل والإنصاف والمساواة الحقة بين الزوج والزوجة تجاه بعضهما البعض .
  8. حماية الاتفاقات المبرمة بعقد الزواج، بجعل إمكانية المطالبة بتنفيذها لازما بتكريس قواعد المسؤولية المدنية لكلا الزوجين على حد سواء من داخل مؤسسة الزواج في حال الاخلال بها، دون التفريط بمقومات ميثاق الزوجية القائم على الالتزام المزدوج بين طرفيه في جميع مشتملاته.
  9. حماية حقوق الأبناء تجاه أبويهم أو المثبت نسبهم لهم، سواء كان هذا النسب للأب أو الأم أو هما معا.
  10. تكريس مسؤولية الأب أو الأم الغير المتزوجين تجاه أبنائهم الناجمين عن حمل أثناء فترة الخطبة، أو بمناسبة عدم وجود عقد الزواج كوسيلة إثبات قانونية للزواج، أو في حالة عدم صحته، وكذلك تمتيعهم بنفس الحقوق الكفولة لهم إسوة بغيرهم الناجمين عن علاقة زواج، مع مراعاة ما لا يلحقهم شرعا من حق توارث أو غيره بما لا يتعارض مع مقومات الدين الإسلامي الحنيف .
  11. تكريس نفس الواجبات للزوجين تجاه الأطفال المتكفل بهم من قبلهم، أو الخاضعين لوصايتهم، أو حتى المكلفين برعايتهم في حالة وجودهم، وعلى قدر سواء في حالة وجودهم مع أبنائهم الشرعيين.
  12. حماية الأطفال المتخلي عنهم، وذلك بجعل حقوقهم ملقاة على عاتق الدولة.
    ث -على مستوى مسطرة الطلاق و التطليق
  13. جعل الوكالة في الطلاق الاتفاقي قائمة، سيما في حالة الطلاق قبل البناء و كذا في حالة عدم وجود أبناء.
  14. منع الوكالة في التطليق أو الطلاق إذا كان أحد طرفيها قاصرا أو في حال وجود أبناء، إلا في حالات استثنائية وتحت مراقبة القضاء.
  15. تقييد مسطرة التطليق للشقاق بضرورة إثبات الأسباب والمبررات الموضوعية لطلب التطليق للشقاق، تحت طائلة رفض الطلب أو إحالة ملف التطليق على مؤسسة الصلح أو الوساطة، خاصة إذا كانت المبررات لا ترقى لدرجة فصم أواصر الزوجية .
  16. حماية حق الزوج أو الزوجة القاصر في حالة توجيه طلب الطلاق أو التطليق ضده أو من قبله، ومراعاة مركزه القانوني بتوسيع صلاحية القضاء في ذلك، سواء قضاء النيابة العامة أو القضاء الجالس بما يقوم من شأنه الحفاظ على المصلحة الفضلى .
  17. التنصيص على اعتبار مصلحة الأبناء تسمو على مصلحة الآباء، مع مراعاة حقوقهم في حالة الاستجابة لطلب الطلاق أو التطليق بضمان حفظها وتنفيذها.
  18. تبسيط مسطرة تذييل الأحكام بالصيغة التنفيذية، وخاصة إيجاد مكنة قانونية يمكن سلوكها أمام قضاة الأسرة بالقنصليات المغربية بالخارج إن أمكن ذلك.
    ج – على مستوى النفقة و الحضانة .
  19. تمكين مؤسسة قاضي الأسرة من إصدار أوامر قضائية لإجراء أبحاث اجتماعية، لمعرفة المداخيل المالية للزوج أو الزوجة في حال عسر الزوج أو هما معا، وعدم جعله بناء على طلب الأطراف متى تبين له وجود أبناء.
  20. تذييل الصعاب بخصوص المؤسسات البنكية أو الائتمانية أو المؤسسات العمومية أو الخاصة )المحافظات-الشركات-المؤسسات أو الهيئات( … ، وذلك بتمكين صاحب المصلحة سواء كانت زوجة أو زوج أو أبناء راشدين أو من ينوب عنهم إن كانوا قاصرين أو محجور عنهم من الوثائق المستلزمة والكشوفات الهامة بمن هو مكلف بالإنفاق عنهم قانونا .
  21. جعل الاقتطاع من المنبع مسطرة ملازمة في حالة عدم تنفيذ الحكم القاضي بالنفقة، سواء كان منبع المحكوم عليه ينتمي إلى القطاع العام أو الخاص.
  22. تقوية نفاذ الاحكام القضائية الخاصة بالنفقة، التي يكون فيها المحكوم عليه بالخارج بموجب الاتفاقيات الدولية، تفاديا للتملص من المسؤولية الأسرية الملقاة على عاتقه، باعتبارها من مشتملات النظام العام الأسري .
  23. حماية حقوق الأبناء والأبوين في كل من الحضانة وزيارة المحضون، كونهما من الحقوق الواجبة والمتبادلة بين الأبوين بعد انفصام ميثاق الزوجية، مع ترتيب الآثار القانونية في حال الاخلال بهما، باعتبارهما حقا وليس امتيازا لطرف عن الآخر، أو حتى مكمنا للضغط أو المساس بالصحة النفسية و التربوية للأبناء.
  24. مراعاة المصلحة الفضلى للأبناء عند إسناد الحضانة أو أثناء السفر بهم دون التفريط بحقوق الأبوين الملازمة لواجباتهم.

ثالثا: المرتكز الاجتهـــــــادي

إن الاكتفاء بسن قواعد تشريعية مهما بلغت متانتها أو جودة صياغتها إلا أنها تظل نصوصا قانونية صرفة تجعل من تطبيقها يبتعد في بعض الأحيان عن مقاصدها بل إن لم نقل أنها تظل جافة لا مبعث لروحها سوى الاجتهاد .
الدي يظل المعبر الأول عن البعد القيمي للنص القانوني الاسري بصفة خاصة المستحضر لما يكتنفه كل نص على حدى من حماية المصالح القانونية لجميع مكونات الأسرة .
لدلك كان لزاما إعطاء هامش أكبر للإجتهاد في تنزيل مقاصد النصوص القانونية بدل مجرد الاكتفاء بتطبيقها
وهو الامر الدي يستدعي دون شك التمسك أكثر بالجوانب الداتية و الموضوعية لكل المقتضيات الخاصة بقضايا الاسرة في بعدها الاجتهادي عبر إستحضار بعض النقاط ودلك من خلال مايلي :

1- تكريس قيم الإنصاف والعدالة الأسرية في تطبيق بنود مدونة الأسرة.
2- مراعاة البعد المقاصدي لحماية مكونات الأسرة بما يتماشى مع النصوص الدينية السمحة.
3- مأسسة القاضي الأسري، وذلك بجعل التخصص لازما بقضايا الأسرة مع تمكينه من الوسائل الكفيلة للقيام بأدواره القانونية والشرعية.
4- جعل التكوين المستمر في قضايا الأسرة مستداما بما يخدم المصلحة الأسرية لجميع المتدخلين في هذا النوع من القضايا .
5- تجميع قواعد الاجتهاد الشرعي بقضايا الأسرة الصادرة عن محكمة النقض لتوحيد العمل القضائي كمدخل أساسي للأمن القضائي الأسري.

وتجدر الإشارة أن هذه المرتكزات لن تشكل مفتاحا حقيقيا أو خارطة طريق لتصحيح أو تتميم التشريع الأسري المغربي، بقدر ما هي مجرد إسهامات بسيطة بحاجة إلى تثمينها أو إضافة غيرها، والتي لا تخرج عن غايتها الأولى والأخيرة، وتروم النهوض بالقيم الخفية لمقاصد النصوص الأسرية، المتمتعة بحكم خصوصيتها بطابع استثنائي لا يمكن التعامل معه من منظور قانوني صرف، بقدر ما يستلزم الوقوف على مكامن الخلل على مستوى استيعاد أحكام مدونة الأسرة المغربية، التي لاتزال لم تنل حظها الوافر لتطبيقها الصحيح، حتى يتأتى الحكم على مقتضياتها بالفشل، إذ لابد من الإقرار بكون أن مراجعة بعض بنودها أو تحيينها بالتعديل أو الإلغاء هو الآخر ليس بالسبيل الأمثل للوصول للأبعاد المقاصدية، بل أن تجميع الأمرين معا، أي الجمع بين كل من التطبيق السليم والمنصف لمدونة الأسرة مع تعديل بعض مقتضياتها في نفس الوقت، ربما قد يكون الأنجع للنهوض بحماية الأسرة، على إعتبار أن تقدم النص القانوني مهما بلغ من متانة التشريع وكفايته، يظل غير ذي جدوى إذا ما تم تطبيقه على نحو جاف أو دون مراعاة ما يكتنفه من أبعاد حمائية ومصالح شرعية، وكذلك الأمر أن أي اجتهاد عملي من قبل القيمين على تطبيق أحكام مدونة الأسرة بجميع مكوناتهم يظل حبيسا، مالم يكن قائما على نص تشريعي يواكب نفحات ذلك الاجتهاد بمفهومه الإيجابي بطبيعة الحال.

وفي الأخير يمكن القول أن الدعوة للانكباب وتسليط الضوء على أحكام مدونة الأسرة المغربية تشكل مناسبة للجميع بل و شرطا أساسيا للإسهام البحثي العلمي والعملي المزاوج لروح المسؤولية الملقاة على كل واحد من موقعه للنهوض بالأسرة المغربية .
و حفظ تماسكها باعتبارها النواة الأولى للمجتمع و منبعا للتنمية المستدامة ، لا لشيء إلا لتمكينها من القيام بأدوارها الطلائعية داخل النسيج الاجتماعي ، بجعلها هدفا ووسيلة في وقت واحد للرقي والإقلاع الاجتماعي بجميع أنواعه وفي جميع الميادين ، بيد أن من صلاحها صلاح المتجمع ومن تماسكها تماسك للمجتمع كدلك .
لدلك فالتعبئة الشاملة و الحقيقية تبتدأ بنشر ثقافة وعي الأسري مسؤول وهادف يربط الماضي بالحاضر و يستشرف لمستقبل النموذج الاسري المغربي الدي لا يتخلى عن أصالته و يتمسك في دات الوقت بعصرنته .

اقرأ أيضاً: