صوا العدالة : محمد زريوح
في حفلٍ مهيبٍ احتفى بالتميز الفني الأمازيغي، نال المخرج المغربي أكسيل فوزي، المعروف باسمه الحقيقي محمد فوزي، جائزة أحسن فيلم أمازيغي ضمن فعاليات الجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية، وذلك اعترافًا بمسيرته الإبداعية الغنية وبإسهاماته البارزة في ترسيخ حضور السينما الأمازيغية داخل المشهد الفني الوطني.
ينتمي أكسيل فوزي إلى مدينة الناظور، حيث وُلد سنة 1979، قبل أن يشق طريقه نحو أوروبا لدراسة الهندسة المعمارية في إسبانيا، غير أن شغفه بالسينما قاده إلى مسارٍ مختلف، جعله من بين الأسماء التي تركت بصمة مميزة في المشهد السينمائي الأمازيغي. يعيش فوزي اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية، ويوقّع أعماله الفنية باسم “أكسيل ريفمان”، كهوية رمزية تجمع بين الجذور والانفتاح.

وقد راكم المخرج رصيدًا فنيًا زاخرًا بالأعمال التي لاقت إشادة نقدية واسعة، من بينها “ثلاثية الناظور”، و“الصمت القاتل”، و“وحوش” الذي نال عنه جائزة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2019، إضافة إلى فيلمه “جثة على ضفة مارتشيكا” المتوج بجائزة أحسن سيناريو خلال مهرجان إسني ن ورغ الدولي للفيلم الأمازيغي بأكادير سنة 2025.
ويُعد هذا التتويج الثاني من نوعه من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بعد فوزه الأول سنة 2018-2019، تأكيدًا لمكانته كأحد الأصوات السينمائية الأكثر إبداعًا وإصرارًا على تطوير الفيلم الأمازيغي وجعله حاضراً في الساحة الوطنية والدولية.

كما يُعتبر أكسيل فوزي أول مخرج أنجز فيلمًا أمازيغيًا للقناة الأمازيغية “الصمت القاتل”، الذي فاز بجائزة السيناريو في مكناس، إضافة إلى كونه السبّاق في إخراج أول سيتكوم بالأمازيغية الريفية، خطوة اعتُبرت آنذاك فتحًا جديدًا في مسار الدراما التلفزيونية الأمازيغية.
وما يميّز تجربة فوزي هو قدرته على العمل خارج المنظومة التمويلية الرسمية، إذ أخرج فيلمه الثالث دون أي دعم مؤسساتي، في رسالة واضحة إلى أن الإبداع لا يحتاج دائمًا ميزانيات ضخمة بقدر ما يحتاج إرادة فنية حقيقية. هذه التجربة المستقلة جعلته رمزًا للسينما الأمازيغية الحرة التي تصنع طريقها رغم قلة الموارد.
وخلال لحظة التتويج، ألقى المخرج كلمة مؤثرة، استهلها بتحية “أزول” الأمازيغية، معبّرًا عن فخره بهذا التكريم وحزنه على واقع السينما الأمازيغية، قائلاً:
“هذه الجائزة ليست لي وحدي، بل لكل من يصنع أفلامه بكاميرا مستعارة، ولكل من يحكي قصصه بلغةٍ لا يزال البعض يرفض سماعها.”
في كلمته، وجّه أكسيل نقدًا صريحًا لتهميش الفيلم الأمازيغي، معتبرًا أن السينما الأمازيغية ليست فرعًا من السينما المغربية، بل هي جوهرها الحقيقي، لأنها “تحكي الفرح المغربي والألم المغربي، وكل ما بينهما”. كما دعا إلى تطبيق فعلي للقانون الذي ينص على تخصيص 30% من البرامج التلفزيونية للأمازيغية، مشيرًا إلى أن الواقع بعيد كل البعد عن ذلك.

وطالب المخرج بإحداث صندوق خاص لدعم السينما الأمازيغية داخل المركز السينمائي المغربي، بهدف تمكين المبدعين من إنتاج “اثني عشر فيلمًا أمازيغيًا في السنة”، مؤكدًا أن “المغرب لن يعرف نفسه حقًا حتى يرى نفسه كاملة”.
كما دعا المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إلى مواصلة نضاله في الدفاع عن الإبداع السينمائي الناطق بالأمازيغية، باعتباره الملجأ الوحيد للمبدعين في هذا المجال.
خطاب أكسيل فوزي لم يكن مجرد شكرٍ على جائزة، بل صرخة فنية صادقة تدافع عن الحق في التعبير بالهوية، وعن ضرورة الإنصاف الثقافي في بلدٍ متعدد اللغات والجذور. لقد حوّل المخرج لحظة التتويج إلى لحظة وعي، جعلت من السينما منبرًا للنضال أكثر منها مجالًا للتكريم.
ويكرّس هذا التتويج الجديد حضور أكسيل فوزي كواحدٍ من أبرز صُنّاع السينما الأمازيغية المستقلة، وكصوتٍ فنيٍّ مؤمن بأن الإبداع الحقيقي لا يطلب الاعتراف، بل يخلقه بنفسه. أعماله ليست فقط أفلامًا تُعرض على الشاشة، بل رسائل ضوءٍ مقاومة تسعى لتثبيت الهوية الأمازيغية في المشهد الثقافي المغربي والعالمي.

