سات تيفي – بقلم – عبد اللطيف الباز – ميلانو تختلف نهاية شهر رمضان والاحتفال بعيد الفطر بإيطاليا من مدينة إلى أخرى، وتتغير قيمته والفرحة به بين أبناء الجالية المسلمة خصوصا المغربية حسب ظروفهم الإجتماعية، فإذا كان بعضهم يعتبره مناسبة لصنع الإبتسامة وإدخال الفرحة على القلوب والتواصل مع إخوانهم في الإسلام وحتى مع الإيطاليين المسيحيين لمنحهم صورة عن تسامح ديننا الحنيف، فإن البعض الآخر يجده مناسبة لتحقيق أغراض جد ضيقة على حساب الجالية الإسلامية، في حين أن آخرين يعيشون خارج التغطية ولا يهتمون لا برمضان ولا بعيد الفطر، ليعتبروا أن اندماجهم داخل المجتمع الإيطالي مرهون بنسيان الهوية والدين والانصهار بشكل كلي في ثقافة البلد المضيف.
يرى عدد مهم من مغاربة إيطاليا أن حلول عيد الفطر بقدر ما يحمل في طياته فرحة وحنينا إلى الوطن وإلى الأجواء العائلية والأسرية، بقدر ما يجلب إليهم آلاما ومعاناة بابتعادهم عن الأهل والأحباب وببرودة المجتمع الإيطالي الذي لا يعير اهتماما لهذه المناسبة إلا إعلاميا، ليستدل بها على ما يسميه بالخطر الإسلامي على الإيطاليين. لكن هذه المعاناة رغم ارتباطها بظروف العمل وبالثقافة السائدة داخل المجتمع الإيطالي فإنها لا تمنع بعض أبناء الجالية من خلق أجواء شبيهة بتلك التي اعتادوا عليها بالمغرب بين أهلهم وأقاربهم، ليكثّفوا في ليلة العيد وبعد صلاته زياراتهم إلى الأصدقاء والأقارب إن تواجدوا بإيطاليا وبنفس مدينة الإقامة. فنسبة كبيرة من أبناء الجالية المغربية، تجد في أيام العيد فرصة لأخذ عطلة قد تدوم يومين أو ثلاث أيام تمكنهم من اقتناء أغراض تحتاج إليها بيوتها وأفراد أسرها للاحتفال بالعيد، في حين أن البعض الآخر وغالبيتهم عزاب فيرون أن عطلة نصف يوم مناسبة جدا للقيام بصلاة العيد وتقديم التهاني للأصدقاء قبل التوجه مرة أخرى إلى العمل في نصف اليوم التالي. «أنا أختلف معك يا يوسف فالعيد لا يستحق منك نصف يوم بل يوما كاملا أو حتى يومين، فلماذا الإيطاليون من المسيحيين يأخذون ثلاثة أيام أو أكثر للاحتفال بأعيادهم الدينية ونحن المسلمون نكون أقل منهم. بالنسبة إلي فأنا اعتدت على التفرغ للعيد في يومين أو ثلاث أقوم فيها باقتناء ألبسة جديدة لأبنائي وشراء متطلبات البيت إضافة إلى زيارة الأقارب والأصدقاء». رد المغربي يوسف على صديقه ومواطنه محمد كان مقنعا في بعض جوانبه فقال: «أنا أعيش في إيطاليا بدون أسرة وأعيش كذلك ببيت يضم ثلاثة مغاربة آخرين، وقد اعتدت على العمل حتى أنسى غربتي ومشاكلي، لهذا وجدت أنه من الأفضل لي الحصول فقط على نصف يوم لتأدية الصلاة ولتبادل التهاني لأنني إن أخذت يوما كاملا فسأعود إلى بيت بارد لا حياة فيه، لأدخل في حزن عميق وفي حنين إلى المغرب وإلى الأهل والأقارب». اهتمام يوسف ومحمد بالعيد وحنينهما إلى أجوائه بالمغرب مع الأهل والأحباب كان عند مغاربة آخرين مجرد أمور تافهة، فقد توصلت بمعلومات من شمال إيطاليا تفيد أن نسبة لا يستهان بها من مغاربة إيطاليا يتجاهلون شيئا اسمه رمضان وعيد الفطر ليعتبر بعضهم، ممن انصهر داخل المجتمع الإيطالي إلى حد التفكير في أن يصبح مسيحيا، أن التشبث بهوية البلد الأصلي وبالإسلام يعرقل عملية اندماجهم داخل المجتمع الإيطالي ويهدد مصالحهم. لهذا فقد أصبحت أسماء محسوبة على الجالية المغربية وتقيم بجهة لومبارديا خصوصا بمدن ميلانو و نواحيها يستغلون عملهم الجمعوي والإداري وعلاقاتها العامة مع النخبة الإيطالية لتظهر انسلاخها وعداءها للإسلام والمسلمين لتحقيق الشهرة. عيد الفطر بالمراكز الإسلامية
تنحصر مجمل استعدادات الجالية الإسلامية والمغربية بشكل خاص لعيد الفطر في المراكز الإسلامية المنتشرة بكثرة بشمال إيطاليا، التي تصبح طوال شهر رمضان إلى حدود يوم العيد أماكن لتجمع وتواصل مسلمي إيطاليا. فغالبية هذه المراكز التي أصبحت مستهدفة من طرف حزب عصبة الشمال المتطرف، تبدأ في ترتيب أمورها لصلاة العيد ولاستقبال أبناء الجالية الإسلامية قبل أسبوع عن الموعد ليضطر عدد كبير من المسؤولين عنها وأمام ضيق فضاء مراكزهم المخصص للصلاة إلى تقديم طلبات إلى بلديات الإقامة لمدهم بقاعات كبيرة أو ملاعب مغطاة لتمكين عدد كبير من أبناء الجالية الإسلامية من إقامة صلاة العيد. بمدينة تورينو يتناسى المسؤولون عن المراكز الإسلامية هناك خلافاتهم المذهبية والطائفية، ليقرروا جميعهم تنظيم صلاة عيد واحدة بملعب رياضي مغطى حتى يظهروا للإيطاليين أن الجالية الإسلامية متراصة الصفوف وأن من نصبوا أنفسهم مسؤولين عنها أصبحوا واعين كل الوعي بضرورة تحقيق مصالحة وتوافق فيما بينهم خصوصا في المناسبات الدينية. في هذا الإطار كان لنا حديث مع أحد الفاعلين الجمعويين بتورينو الذي يعرف تفاصيل أكثر عن ترتيبات عيد الفطر بهذه المدينة وعن سبب دخول من وصفهم بالإخوة الأعداء في توافق وتناغم بخصوص تنظيم موحد لصلاة العيد. وقال مفضلا عدم ذكر اسمه: «قبل سنوات كانت الطوائف المتحكمة في المراكز الإسلامية المنتشرة بكثرة بتورينو تتناحر بشكل كبير في ما بينها للتحكم ليس فقط في تنظيم صلاة العيدين وفي زكاتهما بل حتى في الجالية الإسلامية ككل، فكان البعض ومن أجل إبراز أنه مختلف مذهبا وفكرا عن الآخرين يرى أن يتبع دولة كذا في الإعلان عن بداية ونهاية شهر رمضان في حين أن آخرين كانوا مضطرين للصوم والإفطار مع الدول العربية والإسلامية القادمين منها، لنجد أن بعض المدن الإيطالية تتحول في مثل هذه المناسبات إلى نموذج لعالم إسلامي مصغر، فهناك من هو صائم وآخر في حالة إفطار لتجد الجالية الإسلامية أمامها فرصة لتأدية صلاة العيد مرتين وفي يومين مختلفين. أمام هذا الواقع ولعدم استفادة المسؤولين عن هذه المراكز الإسلامية من هذا الوضع لا ماديا ولا إيديولوجيا اضطروا مرغمين إلى الإجتماع في ما بينهم لتحقيق مصالحة تكون مؤقتة في مناسبة الأعياد الدينية، حتى تكون الإستفادة عامة ويركز مسلمو ميلانو والنواحي أثناء إخراجهم لزكاة الفطر على صندوق واحد يتم اقتسام مبالغه بين المراكز الإسلامية فيما بعد». نفس الوضع الذي تعيشه ميلانو يمكن ملامسته بمدينة تورينو ونواحيها التي تحتكم هي الأخرى على عدد كبير من المراكز الإسلامية تفوق العشرين. فالأخبار القادمة من هذه المدينة، تفيد بأن الجالية الإسلامية أثناء الشهر الكريم وفي يوم العيد تجد نفسها حائرة ومشتتة وغير قادرة على معرفة المكان أو المركز الذي يمكن أن تؤدي فيه صلاة العيد أو الجهة التي يمكن أن يمنحوها أموال زكاة الفطر. فالخلافات الطائفية والمذهبية بين المتحكمين في المراكز الإسلامية لا تنسى حتى في يوم العيد، لتقوم كل جمعية أو جماعة إسلامية بتنظيم صلاة العيد بمركزها أو بمكان أكبر حتى لا تذهب مصالحهم وأموال الزكاة إلى جهات أخرى منافسة، لهذا ففي الأيام الأخيرة من شهر رمضان تتجند هذه المراكز للدخول في منافسة قوية فيما بينها، قد تستعمل فيها حتى لغة الماركوتينغ لجلب المصلين ومعهم أموال زكاة الفطر.أموال المسلمين :
أصبحت غالبية المراكز الإسلامية بإيطاليا أو كلها تتبع موضة الأكياس البلاستيكية التي يعترضك أصحابها وحاملوها من المسؤولين عن هذه المراكز لتضع فيها صدقتك أو تبرعك لصالح جمعية خيرية ما أو لصالح بناء مركز إسلامي جديد أو لنقل جثمان مسلم إلى أرض الوطن أو لصالح القضية الفلسطينية، فمنهم من يعتمد على تقنية التجول البنكية بطاقة الائتمان ( bancomat ) بين صفوف المصلين لتعبئة الرصيد البنكي قبل إقامة الصلاة في وقت يوجه فيه إمام المسجد مواعظه لحث المسلمين على الإكثار من فعل الخير، ومنهم من يوقف لك ثلاثة أو حتى خمسة من أبناء الجالية الإسلامية بباب المركز الإسلامي عند نهاية الصلاة الذين يضعون الكيس البلاستكي في وجهك ليحرجوك من أجل إخراج ما في جيبك من مال. هذه التقنية أو الموضة التي أصبحت متفشية في المساجد والمراكز الإسلامية بإيطاليا هي نفسها التي تعتمد يوم العيد، إذ إن المسؤولين عن المراكز الإسلامية وقبل البدء في صلاة العيد يذكرون المصلين وعبر مضخمات الصوت بإخراج زكاة الفطر التي حددت في هذه السنة ميلانو ونواحيها في 8 أورو ، فإذا قام المرء بعملية حسابية بسيطة في يوم العيد وفي قاعة أو ملعب مغطى للرياضة بمدينة ميلانو أو تورينو أو بلونيا يضم أكثر من عشرة آلاف من المصلين تؤدي نسبة تفوق 70 % منها مبلغ 8 أو 7يورو عن كل واحد، فكم سيكون المبلغ الإجمالي الذي تتضمنه هذه الأكياس البلاستيكية؟ وأين تذهب بالتالي هذه الأموال؟ فالغريب في لأمر هو أن غالبية المراكز الإسلامية بميلانو مثلا التي تحصل على حصتها من مبالغ الزكاة قد تفوق في بعض الأحيان 15 ألف يورو تؤكد أنها توزعها على الضعفاء من المسلمين،رغم أن عددا كبيرا من هؤلاء ينفون حصولهم على أية مساعدة. أتذكر حوارا دار بين رئيس جمعية مغربية بميلانو ومسؤول مصري عن مركز إسلامي يديره مواطنوه بنفس المدينة، حول زكاة الفطر أكد فيه المسؤول المصري أن كل مبالغ الزكاة تذهب إلى العاملين والمشرفين على المركز الإسلامي لأحقيتهم بها. وقال: «نحن خدام المركز ليس لدينا عمل قار ومن حقنا أموال الزكاة التي تساعدنا على تكاليف الحياة وعلى تسديد فواتير المركز وعلى جميع
مصاريفه».
زكاة الفطر الإيطالية
حول مبالغ 8 و7 و3 أورو كقدر لإخراج زكاة الفطر بإيطاليا أكد لنا ناشط إسلامي بإيطاليا، أن المسؤولين عن المراكز الإسلامية بهذا البلد الأوربي لا يعتمدون على قواعد مضبوطة لتحديد ذلك، مبرزا أن المصلحة الخاصة لبعض المسؤولين عن هذه المراكز وتوجهاتهم المذهبية تتدخل في تحديد هذه الأرقام وفي الرفع من قيمتها. وقال: «أعتقد أن من هب ودب أصبح يقدم فتاوى بإيطاليا ويضع مقاييس لا علاقة لها بالشرع والدين، وفي نظري فأمر قيمة مبلغ الزكاة واضح جدا ويجب أن يقاس على ثمن صاع من الطعام أو المنتوجات التي تعتمد كغذاء أساسي بإيطاليا مثل الأرز ومعجنات المكارونة، لهذا فقيمة المبلغ المخصص للزكاة لا يجب أن تتعدى 3 أورو». إجابات أخرى بخصوص نفس الموضوع حصلت عليها من مسؤولين عن مراكز إسلاميةبميلانو الذين أكدوا لي أن اعتمادهم على مبلغ 8 أورو المخصص لزكاة الفطر جاء بعد أن استشاروا هيئات ومنظمات إسلامية بإيطاليا، وخارجها مثل منظمة اتحاد الجاليات الإسلامية بإيطاليا في حين أن آخرين رفضوا الكشف عن مصدر الفتوى التي حددت المبلغ.
فلاش …. من المسؤول والمستفيد من أموال زكاة الفطر بمساجد إيطاليا ….

كتبه كتب في 1 يونيو، 2019 - 4:25 مساءً
مقالات ذات صلة
28 مارس، 2025
بالصور : الوالي فريد شوراق يترأس احتفالات ليلة القدر بمسجد الكتبية
في أجواء روحانية مفعمة بنفحات الإيمان، احتضن مسجد الكتبية بمراكش مساء اليوم الخميس 26 رمضان الموافق لـ27 مارس 2025 إحياء [...]
28 مارس، 2025
بالصور : العامل بوعبيد الكراب يترأس احتفالات ليلة القدر بمسجد أكني بأيمنتانوت
في أجواء روحانية مفعمة بنفحات الإيمان، احتضن مسجد أكني بجماعة أيمنتانوت مساء اليوم الخميس 26 رمضان الموافق لـ27 مارس 2025 [...]
28 مارس، 2025
بالصور : المشور القصبة يُختتم النسخة الثانية من مسابقة تجويد القرآن الكريم بمراكش بتكريم الفائزين
احتضن فندق زلاغ قصبة أمس الحفل الختامي للنسخة الثانية من مسابقة تجويد القرآن الكريم وترتيله، التي نظمتها جماعة المشور القصبة [...]
28 مارس، 2025
درك بوسكورة يطيح بأخطر عصابة لترويج للمخدرات بالمنطقة
في عملية أمنية نوعية، نفذتها عناصر المركز القضائي للدرك الملكي ببوسكورة، تحت قيادة يونس عاكفي، ليلة الخميس 27 مارس 2025، [...]