عبد الكبير الحراب
تواصل غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء عقد جلساتها في الملف الشهير إعلاميًا بـ”إسكوبار الصحراء”، الذي يتابع فيه عدد من المتهمين، أبرزهم القياديان السابقان في حزب الأصالة والمعاصرة، سعيد الناصيري وعبد النبي بعيوي، إلى جانب متهمين آخرين، في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل خلال السنوات الأخيرة، نظرًا لتشعبها وتشابك خيوطها بين المال والسياسة وملفات التهريب الدولي للمخدرات.
وخلال جلسة اليوم الجمعة 30 ماي، ركزت النيابة العامة في استجوابها للمتهم سعيد الناصيري على تفاصيل حيازته لفيلا فاخرة بمنطقة كاليفورنيا بالدار البيضاء، في محاولة لكشف العلاقة المحتملة بين مصادر أمواله وصفقات مشبوهة تم التطرق إليها خلال أطوار التحقيق.
وأفاد الناصيري في معرض رده على أسئلة الوكيل العام للملك، أن تملكه للفيلا موثق بعقد رسمي بتاريخ 14 يوليوز 2019، غير أن النيابة العامة وسّعت دائرة الاستفسار لتشمل الاتفاق الأولي غير الموثق، الذي سبق عملية البيع الرسمية. وهنا صرح الناصيري أن الاتفاق الشفهي تم أواخر سنة 2017 داخل نادي رياضي معروف، بحضور عدة شهود من بينهم الغازي، مدير نادي الوداد، ومها، الكاتبة الخاصة التي قامت بتحرير بنود التفاهم الأولي، قبل أن يُسلّمه المالك السابق، المير بلقاسم، مفاتيح الفيلا وبعض الوثائق الخاصة بخدمات الماء والكهرباء مقابل مبلغ مالي ناهز 600 مليون سنتيم، تم دفعه نقدًا أمام الشهود.
وقد طلبت النيابة العامة من كاتب الضبط تلاوة ما ورد في أقوال الناصيري السابقة بهذا الخصوص، مركزة على التناقض بين التاريخ الرسمي للبيع والتاريخ الفعلي لولوج العقار واستغلاله. كما سألت النيابة عن حالة الفيلا عند تسليمها، وإن كانت تتوفر حينها على الماء والكهرباء، ليرد الناصيري بأنها لم تكن موصلة بالخدمات، وأن المير بلقاسم كان لا يزال يتصرف فيها، بل منحها سنة 2017 لشركة “برادو” لاستعمالها مؤقتًا.
هذا المسار في الاستجواب فجّر موجة من التوتر داخل قاعة المحكمة، حيث اعتبر دفاع الناصيري أن النيابة تعمدت تكرار الأسئلة نفسها التي أجاب عنها موكلهم في جلسات سابقة، وهو ما وصفوه بـ”النية المبيتة” للتأثير على مجريات الجلسة، مطالبين بوقف هذا الأسلوب.
وردت هيئة المحكمة بحزم على احتجاجات الدفاع، محذرة من رفع الصوت داخل الجلسة، ومتسائلة بنبرة لاذعة: “هل تخشون أن تصل المحكمة إلى الحقيقة؟”، الأمر الذي أثار غضب هيئة الدفاع، التي اعتبرت هذا الأسلوب غير لائق، وأكدت أن دورهم هو ضمان محاكمة عادلة لا تتخللها استفزازات أو مساس بكرامة الأطراف.
وفي خضم هذا الجدل، ذكّر المحامون المحكمة بمضامين منشور ملكي سابق، ينص على ضرورة اعتماد صفة “الأستاذ” عند مخاطبة الدفاع، واستنكروا استخدام النيابة العامة لتعبيرات لا تليق بمقام الجلسة، من قبيل “اسمع السي الدفاع”.
وبعد تصاعد حدة النقاش، قررت هيئة المحكمة رفع الجلسة إلى موعد لاحق، في انتظار استكمال الاستماع لباقي المتهمين، وسط توقعات بأن الجلسات المقبلة قد تكشف عن معطيات حاسمة في واحدة من أكبر قضايا التهريب والفساد التي عرفها المغرب في العقد الأخير.