الرئيسية أخبار القضاء الدكتورة أحفوض: مدونة الشغل والحماية القانونية للاستثمار (الحلقة 1و2)

الدكتورة أحفوض: مدونة الشغل والحماية القانونية للاستثمار (الحلقة 1و2)

téléchargement 16
كتبه كتب في 13 يناير، 2020 - 9:16 صباحًا

الدكتورة رشيدة أحفوض

1- القضاء يساهم في تأطير الاقتصاد عبر ضبط قواعد التعامل

عرف عالم الشغل ببلادنا تطورا ملموسا من حيث حجم القطاعين الصناعي والتجاري، ولا تخفى الأهمية التي يكتسبها قطاع الشغل بحكم ما له من تأثير مباشر على الحياة الاقتصادية وعلى التنمية، وبعالم الشغل هناك ثلاثة عناصر ترتبط ببعضها البعض وهي الأجير، والمؤاجر والاقتصاد الوطني، والقاضي الاجتماعي مستوعب لهذا الارتباط. إن مدونة الشغل وردت نتيجة تراكمات مطلبية وطنيا دوليا، برزت أساسا من منطلقات رئيسية للحوار والتشاور الاجتماعي، انبثقت من مؤسسات رسمت من جملة أهدافها وضع حوافز وإصلاحات بنيوية للنهوض بالتشغيل إضافة إلى مبررات أخرى ذات العلاقة بالتنمية والاستثمار.

يعد الاستثمار دعامة أساسية للتنمية يحتاج إلى مناخ لجلبه، ومهما كانت المبادرات التشجيعية للاستثمار المنصوص عليها في التشريعات، فإن هذا الاستثمار يتحقق مع وجود قضاء متخصص وفعال، حيث تم سن تشريعات وقوانين من أجل تسهيل عمليات الاستثمار. يساهم القضاء في تأطير الاقتصاد من خلال ضبط قواعد التعامل، ويشكل موضوع الحماية القانونية للاستثمار وإشكاليات مدونة الشغل أهمية قصوى، إذ أن الحماية القانونية هي أساس تدعيم القدرة التنافسية وترسيخ مكانة الدولة مصدرا لجلب الاستثمار والحفاظ عليه وتشجيعه، خصوصا من خلال القضاء المتخصص. إن القضاء المتخصص خصوصا في مجال القضايا الاجتماعية “نزاعات الشغل”، من شأنه أن يدعم الثقة لدى المستثمرين الوطنيين والأجانب، إذ أن المنازعات المعروضة على القضاء الاجتماعي تكون بين أجراء ومستثمرين مغاربة وأجانب.
دخلت مدونة الشغل حيز التطبيق، في 8 يونيو 2004، وبعد مرور 15 سنة على تفعيلها، هناك مجموعة من الإشكاليات تثار بخصوص تطبيقها موازاة مع اجتهادات محكمة النقض، ومدى تأثيرها على الحماية القانونية للاستثمار سنعرض لأهمها كما يلي:
– الإشكالية الأولى: مسطرة الفصل عن العمل:
أوجبت المواد 62، 63 و64 من مدونة الشغل، أنه قبل الإنهاء والفصل، على المشغل اتخاذ إجراءات سابقة على النطق بقرار الإنهاء، إذ أنه يجب قبل فصل الأجير أن تمنح له فرصة الدفاع عن نفسه، وذلك بالاستماع إليه من قبل المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء بالمقاولة أو الممثل النقابي الذي يختاره الأجير بنفسه، وذلك داخل أجل لا يتعدى ثمانية أيام ابتداء من التاريخ الذي يتبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه. يحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة، يوقعه الطرفان، وتسلم نسخة منه للأجير، إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل (المادة 62 من مدونة الشغل)، يسلم مقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل داخل أجل 48 ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور، ويقع على عاتق المشغل عبء وجود مبرر مقبول للفصل (المادة 63 من مدونة الشغل). توجه نسخة من مقرر الفصل أو رسالة الاستقالة للعون المكلف بتفتيش الشغل، ويجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير الأسباب المبررة لاتخاذه، وتاريخ الاستماع إليه، مرفقا بالمحضر المشار إليه في المادة 62. لا يمكن أن تنظر المحكمة إلا في الأسباب الواردة في مقرر الفصل وظروفه (المادة 64 من مدونة الشغـل). استـوحى المشــــــرع المغربي في هذه المعطيــــــات من الاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدولية للشغل رقم 158 الصادرة في 1982 والمتممة بالتوصية عدد 166 والتي صادق عليها المغرب في 1993، إذ يلزم المشغل قبل اتخاذه قرار فصل الأجير لارتكابه الخطأ الجسيم أن يستمع إليه حتى يتمكن من إبداء وجهة نظره حول الخطأ المنسوب إليه، بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي داخل أجل ثمانية أيام، وتحرير محضر من قبل إدارة المقاولة، يوقعه الطرفان، مع تسليم نسخة منه للأجير، وإذا رفض أحد الطرفين التوقيع أمكن للطرف الآخر الرجوع إلى مفتش الشغل. هذه المعطيات طرحت عدة إشكاليات، وإلى أي مدى بعد مرور خمسة عشر سنة على تفعيل مدونة الشغل، هل حل الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض هذه الإشكاليات بشكل يدعم العلاقة الثلاثية المتمثلة في الحماية القانونية للأجراء والمؤجرين والاستثمار.
استقر اجتهاد محكمة النقض، أنه يترتب عن عدم احترام مسطرة الفصل التأديبي من قبل المشغل استغناء المحكمة عن مناقشة الأخطاء الجسيمة المنسوبة للأجير (قرار محكمة النقض عدد 895 وتاريخ 10 ماي 2012 ملف اجتماعي 764/5/1/2011) (قرار محكمة النقض عدد 426 الصادر بتاريخ 15 أبريل 2009 ملف عدد 822/5/1/2008).
وأنه في حالة الفصل التأديبي، يتعين التقيد بالمسطرة وبأجل الاستماع إلى الأجير إذا ما اعتبر المشغل أن الأجير برفضه قرار تعيينه في منصب جديد، يكون قد ارتكب خطأ جسيما يبرر فسخ عقد الشغل الرابط بينهما، بأنه كان عليه التقيد بمسطرة الفصل التأديبي المقررة قانونا، والتي تستوجب استدعاء الأجير داخل أجل ثمانية أيام من تاريخ الخطأ المزعوم للدفاع عن نفسه بالاستماع إليه، مع وجوب تقيد المشغل بهذا الأجل تحت طائلة اعتبار أن عقد الشغل قد أنهي من طرفه بصورة تعسفية (قرار عدد 1143 صادر بتاريخ 21 أكتوبر 2009 ملف عدد 1471/5/1/2008).
كما نص على أن مسطرة الاستماع تكون خلال أجل ثمانية أيام من تاريخ التبين من الخطأ لا من تاريخ اكتشافه، إذ أن من المقرر أن مشرع مدونة الشغل، وإن قد ألزم المشغل للاستماع إلى الأجير قبل فصله حين مواجهته بارتكاب خطأ جسيم وحدد لذلك أجل ثمانية أيام ابتداء من تاريخ التبين من الخطأ طبقا لأحكام المادة 62 من مدونة الشغل وليس من تاريخ اكتشافه، فإنه لم يمنعه من الاستماع إليه حتى قبل ختم إجراءات التحقيق معه بشأن الخطأ والتبين منه، (أنظر قرار محكمة النقض عدد 41 الصادر بتاريخ 15 يناير 2015 ملف اجتماعي).
كما ذهبت محكمة النقض أنه تطبيقا لمقتضيات المادة 64 من مدونة الشغل، يكفي فقط تأشيرة مفتش الشغل لتوصله بمقرر الفصل حتى تحترم مسطرة الفصل (قرار عدد 202 الصادر بتاريخ 13 فبراير 2014، ملف اجتماعي عدد 993/5/1/2013).
استثناء من هذه الاجتهادات القضائية القارة لمحكمة النقض جاء في القرار عدد 243 الصادر بتاريخ 14 فبراير 2013، ملف اجتماعي عدد 578/5/2/2012 ما يلي :
مقتضيات المادة 62 من مدونة الشغل، لم تحدد الطريقة لإشعار الأجير بالحضور لمسطرة الاستماع للدفاع عن مصالحه، وتركت تنفيذها لإجراءات القواعد العامة للتبليغ، وأن استدعاءه بالبريد المضمون للحضور لمقر العمل، قصد إبداء وسائل دفاعه يعد إجراء مقبولا، وإن تم توجيه رسائل مضمونة إلى عنوانه المسجل ببطاقته الوطنية، كانت تدعو من خلالها إلى الحضور إلى مقر العمل من أجل إعطاء تبريرات عن الغياب، غير أنه لم يسحبها من مصلحة البريد بسبب وجوده رهن الاعتقال حسب ما اتضح للعارضة بعد مدة من الزمن، وأن العارضة بقيامها بهذا الإجراء قد هيأت لهذا الأخير فرصة الدفاع عن نفسه، وأن هذا الإجراء لم يتحقق بسبب الأجير.
بقرار لمحكمة النقض جاء فيه :
قرار المشغل لفصل الأجير – عدم إشعار العون المكلف بتفتيش الشغل – خرق قاعدة مسطرية من النظام العام – طرد تعسفي.

2- العاملون في القطاعات التقليدية لا يعتبرون أجراء بمفهوم مدونة الشغل

من المقرر أن الغاية من وجوب إشعار العون المكلف بتفتيش الشغل بالقرار، الذي يتخذه المشغل عند فصل الأجير، تتمثل في إحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها (الفقرة 3 من المادة 532 من مدونة الشغل)، باعتباره الجهة الأقرب لمراقبة الآثار القانونية المترتبة عن تطبيق مقتضيات قانون الشغل، وبالتالي فالقاعدة القانونية تقتضي حتما نفاذها، طالما أنها تضع نظاما للمعاملات وللمجتمع، ولا يصح القول بأنه مادام أن المشرع لم يرتب أي جزاء، فإنها تبقى غير عاملة، والقرار الاستئنافي لما اعتبر أن عدم تبليغ مقرر الفصل لمفتش الشغل يشكل إخلالا بمقتضيات المادة 64 من مدونة الشغل، ورتب الآثار القانونية عن ذلك، يكون ما انتهى إليه مرتكزا على أساس ومعللا تعليلا كافيا.
انظر القرار عدد 1079 الصادر بتاريخ 30 أبريل 2015 في الملف الاجتماعي عدد 2014/1/5/938 منشور بنشرة قرارات محكمة النقض عدد 19.
من كل هذا يتجلى أن المشرع المغربي من خلال تشريع مدونة الشغل، قد عمد من خلال إلزامية احترام مسطرة الفصل من قبل المشغل إلى دعم الحماية القانونية للاستثمار، من خلال الدور المتميز الذي يقوم به القاضي والمبادئ، التي يتعين عليه مراعاتها، عندما تكون المحكمة بصدد النظر في المنازعات ذات الصلة بالاستثمار، إذ أن مسطرة الفصل لا تثار تلقائيا من قبل المحكمة، وإنما من له مصلحة في ذلك، وهو عادة الأجير، وقد تثار بالمرحلة الابتدائية عند البت في النزاع وقد تثار لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، وقد ساير المشرع المغربي في هذه المسطرة الاتفاقيات الدولة، بقرار لمحكمة النقض جاء فيه :
“فصل الأجير – خطأ جسيم – عدم احترام المادتين 62 و 63 من مدونة الشغل وكذا خرق الاتفاقية الدولية رقم 158 لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بمسطرة الفصل التأديبي لسنة 1982 والمصادق عليها من قبل المملكة المغربية بتاريخ 07 أكتوبر 1993- عدم احترام الفصل التأديبي – طرد تعسفي .
تعد مقتضيات المادتين 62 و 63 من مدونة الشغل تنزيلا من المشرع المغربي للاتفاقية الدولية رقم 158 لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بمسطرة الفصل التأديبي لـ 1982 والمصادق عليها، من قبل المملكة المغربية بتاريخ 07 أكتوبر 1993 . ولما كان الملف خاليا مما يفيد سلوك مسطرة الاستماع إلى الأجيرة أو ما يثبت توصلها بمقرر الفصل طبقا لمقتضيات المادة 63 من مدونة الشغل، فإن المشغلة لا يجديها القول بأنها لجأت إلى مفتش الشغل خلال 48 ساعة من تبنيها للخطأ الجسيم المرتكب من قبل الأجيرة، لأن مسطرة المادتين 62 و 63 من مدونة الشغل إنما شرعت من أجل عدم مباغتة الاجير بشأن العقوبة المزمع اتخاذها في حقه ولإتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه”.
قرار محكمة النقض عدد 501 الصادر بتاريخ 19 فبراير 2015، ملف اجتماعي عدد 2013/1/5/1935 منشور بنشرة قرارات محكمة النقض العدد 19.
– الإشكالية الثانية: المادة 4 من مدونة الشغل:
“يحدد قانون خاص شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت”. يحدد قانون خاص العلاقة بين المشغلين والأجراء وشروط الشغل في القطاعات، التي تتميز بطابع تقليدي صرف.
يعتبر في مدلول الفقرة الأولى أعلاه، مشغلا في القطاع الذي يتميز بطابع تقليدي صرف، كل شخص طبيعي يزاول حرفة يدوية بمساعدة زوجه وأصوله، وفروعه، وبمعية خمسة مساعدين على الأكثر، ويتعاطى حرفته إما بمنزله أو في مكان يشتغل به، قصد صنع المنتوجات التقليدية التي يهيئها للاتجار فيها.
تستثنى من نطاق تطبيق هذا القانون بمقتضى نص تنظيمي، يتخذ بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والأجراء الأكثر تمثيلا فئات مهنية من المشغلين.
تراعى في تحديد الفئات المشار إليها أعلاه الشروط التالية:
– أن يكون المشغل المعني شخصا طبيعيا.
– ألا يتعدى عدد الأشخاص الذين يستعين بهم خمسة.
ألا يتجاوز الدخل السنوي للمشغل المعني خمس مرات الحصة المعفية من الضريبة على الدخل.
صدر القانون بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، ظهير شريف رقم 1.16.121 صادر في 6 ذي القعدة 1437 (10 غشت 2016) بتنفيذ القانون 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين، الذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 02 أكتوبر 2018، ويعد هذا القانون خطوة إيجابية في اتجاه إنصاف هذه الفئة من العمال، بدءا من تغيير تسميتها في القانون من “خدم البيوت” إلى ” العاملات والعمال المنزليين”، وانتهاء بتقنين مجموعة من المقتضيات القانونية، التي يستفيد منها باقي الأجراء بمقتضى مدونة الشغل.
إن الفئات المتمثلة في العاملات والعمال المنزليين، المشغلين والأجراء الذين يشتغلون في القطاعات، التي تتميز بطابع تقليدي صرف، فئات مهنية من المشغلين، أهمية قصوى لأنه يعتبر من الإشكاليات. لقد أقصيت من تشريع مدونة الشغل، حيث يجهل القانون هذه الفئة الاجتماعية، إذ تم إخراجها من نطاق الحماية الاجتماعية، وإن كانت مدونة الشغل لا تطبق على هذه الفئات.
من هذه النقطة بالذات، تنطلق المفارقة مع وضعية القطاعات، التي تتميز بطابع تقليدي صرف، فئات مهنية من المشغلين، ظلت خاضعة لتشريع الشغل، إلى أن استثنتها المادة 4 من مدونة الشغل، إلى حين صدور نص تنظيمي صدر عنه، مشروع قانون هو قيد الإعداد في الأمانة العامة للحكومة، من هنا ستطرح إشكاليات مدونة الشغل والحماية القانونية للاستثمار !
هذا التعديل، هل غير من موقع الأجراء العاملين بالقطاع حين دخول مدونة الشغل حيز التنفيذ ؟ هل حرموا من الحقوق التي اكتسبوها على أساس عقد الشغل والتشريع المعمول به عند إبرامه ؟ ألا تكتنف وضعيتهم القانونية بعض الغموض؟
إلى غاية 7 يونيو 2004 كان يسري على القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف، فئات مهنية من المشغلين، قانون الشغل إلى أن أبعدته مدونة الشغل، يتوفرون على أوراق أداء، بطاقة شغل، تصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكنهم لا يعتبرون أجراء بمفهوم مدونة الشغل، والمحكمة الاجتماعية ملزمة بإبعاد وسائل إثباتهم المشار إليها أعلاه التي تفيد قيام العلاقة الشغلية في انتظار القوانين، التي ستنظم القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف وفئات مهنية من المشغلين والتي لم تصدر رغم مرور أكثر من خمس عشرة سنة.
قرار محكمة النقض عدد 799 وتاريخ 23 ماي 2013، ملف اجتماعي عدد 4/5/1/2013.
قرار محكمة النقض عدد 815 وتاريخ 30 ماي 2013، ملف اجتماعي عدد 1487/5/2/2012.

مشاركة